[b] الأدلة على أنه لا عذر بالجهل فى الشرك الأكبر
الدليل الأول :-
قال تعالى { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ } التوبة 6
يقول الإمام الطبرى فى تفسيرها
يَقُول تَعَالَى ذَكَرَهُ لِنَبِيِّهِ : وَإِنْ اِسْتَأْمَنَك يَا مُحَمَّد مِنْ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَمَرْتُك بِقِتَالِهِمْ وَقَتْلهمْ بَعْد اِنْسِلَاخ الْأَشْهُر الْحُرُم أَحَد لِيَسْمَع كَلَام اللَّه مِنْك , وَهُوَ الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّه عَلَيْهِ . { فَأَجِرْهُ } يَقُول : فَأَمِّنْهُ . { حَتَّى يَسْمَع كَلَام اللَّه } وَتَتْلُوهُ عَلَيْهِ . { ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنه } يَقُول : ثُمَّ رَدَّهُ بَعْد سَمَاعه كَلَام اللَّه إِنْ هُوَ أَبَى أَنْ يُسْلِم وَلَمْ يَتَّعِظ لِمَا تَلَوْته عَلَيْهِ مِنْ كَلَام اللَّه فَيُؤْمِن ; إِلَى مَأْمَنه , يَقُول : إِلَى حَيْثُ يَأْمَن مِنْك وَمِمَّنْ فِي طَاعَتك حَتَّى يَلْحَق بِدَارِهِ وَقَوْمه مِنْ الْمُشْرِكِينَ . { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول : تَفْعَل ذَلِكَ بِهِمْ مِنْ إِعْطَائِك إِيَّاهُمْ الْأَمَان , لِيَسْمَعُوا الْقُرْآن , وَرَدّك إِيَّاهُمْ إِذَا أَبَوْا الْإِسْلَام إِلَى مَأْمَنهمْ , مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ قَوْم جَهَلَة لَا يَفْقَهُونَ عَنْ اللَّه حُجَّة وَلَا يَعْلَمُونَ مَا لَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ لَوْ آمَنُوا وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْوِزْر وَالْإِثْم بِتَرْكِهِمْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ
وقال الإمام البغوى
(حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ) فيما له وعليه من الثواب والعقاب
(ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ) أى لا يعلمون دين الله وتوحيده فهم محتاجون إلى سماع كلام الله
قال الحسن : هذه الأية مُحكمة إلى قيام الساعة
قال الإمام الشوكانى
( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ) أى بسبب فقدانهم للعلم النافع المميز بين الخير والشر فى الحال والمأل
الدليل الثانى
قال تعالى { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ }
قال ابن تيمية
(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) اليهود والنصارى
(وَالْمُشْرِكِينَ ) وهم عبدة الأوثان
(مُنفَكِّينَ ) أى منفصلين وزائلين .. والمعنى لم يكونوا زائلين عن كفرهم وشركهم حتى أتتهم البينة . لفظه لفظ المستقبل ومعناه الماضى ، والبينة الرسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، بين لهم ضلالهم وجهلهم
وقال البغوى :- لم يكونوا منتهين عن كفرهم وشركهم (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) لفظه مستقبل ومعناه الماضى ، أى حتى أتتهم البينة – الحجة الواضحة – يعنى محمد صلى الله عليه وسلم أتاهم بالقران فبين لهم ضلالتهم وجهلهم ودعاهم إلى الإيمان ، فأنقذهم الله به من الجهل والضلالة .
وقال الشوكانى ( قال الواحدى )
ومعنى الأية ، إخبار الله تعالى عن الكفار أنهم لن ينتهوا عن كفرهم وشركهم بالله حتى أتاهم محمد صلى الله عليه وسلم بالقرأن فبين لهم ضلالتهم وجهالتهم ودعاهم إلى الإيمان وهذا بيان عن النعمة والإنقاذ به من الجهل والضلال .
الدليل الثالث
قال تعالى { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } الجمعة 2
قال الطبرى
يقول تعالى ذكره ، وقد كان هؤلاء الأميون من قبل أن يبعث الله فيهم رسولا منهم ، فى جور عن قصد السبيل وأخذ على غير هدى مبين .
الدليل الرابع
قال تعالى { وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }
قال الطبرى
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْلَا أَنْ يَقُول هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَرْسَلْتُك يَا مُحَمَّد إِلَيْهِمْ , لَوْ حَلَّ بِهِمْ بَأْسنَا , أَوْ أَتَاهُمْ عَذَابنَا مِنْ قَبْل أَنْ نُرْسِلك إِلَيْهِمْ عَلَى كُفْرهمْ بِرَبِّهِمْ , وَاكْتِسَابهمْ الْآثَام , وَاجْتِرَامهمْ الْمَعَاصِي : رَبّنَا هَلَّا أَرْسَلْت إِلَيْنَا رَسُولًا مِنْ قَبْل أَنْ يَحِلّ بِنَا سَخَطك , وَيَنْزِل بِنَا عَذَابك فَنَتَّبِع أَدِلَّتك , وَآيَ كِتَابك الَّذِي تُنْزِلهُ عَلَى رَسُولك وَنَكُون مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِأُلُوهِيَّتِك , الْمُصَدِّقِينَ رَسُولك فِيمَا أَمَرْتنَا وَنَهَيْتنَا , لَعَاجَلْنَاهُمْ الْعُقُوبَة عَلَى شِرْكهمْ مِنْ قَبْل مَا أَرْسَلْنَاك إِلَيْهِمْ , وَلَكِنَّا بَعَثْنَاك إِلَيْهِمْ نَذِيرًا بَأْسنَا عَلَى كُفْرهمْ , لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَى اللَّه حُجَّة بَعْد الرُّسُل
وقال إبن كثير
أى وأرسلناك إليهم لتقيم عليهم الحجة ولينقطع عذرهم إذا جاءهم عذاب من الله بكفرهم فيحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول ولا نذير .
الدليل الخامس
قال تعالى { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } البقرة 213
قال ابن تيمية
وذلك أن الناس كانوا بعد أدم عليه السلام وقبل نوح عليه السلام على التوحيد والإخلاص كما كان عليه أبوهم أدم عليه السلام ، حتى ابتدعوا الشرك وعبادة الأوثان .
الدليل السادس
قال تعالى { ذَٰلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ }
قال القرطبى
أي إنما فعلنا هذا بهم لأني لم أكن أهلك القرى بظلمهم؛ أي بشركهم قبل إرسال الرسل إليهم فيقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير
الدليل السابع
قال تعالى { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا ﴿ 35 ﴾ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴿ 36 ﴾ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴿ 37 ﴾ لَٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا }
يقول ابن كثير فى تفسيرقوله
( أكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا )
وهذاإنكار وتعظيم لما وقع فيه من جحود ربه الذى خلقه وإبتدا خلق الإنسان من طين [/24
]