الحق المبين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الحق المبين

دينى
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 المسلم الحق ( بحث ممتاز )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 206
تاريخ التسجيل : 22/02/2014

المسلم الحق  ( بحث ممتاز ) Empty
مُساهمةموضوع: المسلم الحق ( بحث ممتاز )   المسلم الحق  ( بحث ممتاز ) Emptyالإثنين فبراير 24, 2014 4:16 pm

[b]المسلم الحق








بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله   .
أما بعد :
فمنذ أن خلق الله آدم  بارز إبليس لعنه الله العداء لآدم وبنيه ، وقطع على نفسه عهداً لإغواء بني آدم إلا عباد الله المخلصين .
فبدأت بهذا العهد معركة الحق والباطل بين أولياء الرحمان وأولياء الشيطان ، ومارس الشيطان ما أمكنه من أساليب لإغواء بني آدم وتزيين الباطل لهم ، فأضل منهم جبلاً كثيراً .
وقد عهد الله لبني آدم ألا يعبدوا الشيطان فهو عدوهم المبين ، وأرسل لهم رسله مبشرين ومنذرين لكي لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل .
فتوالى وتعاقب رسل الله وليس لهم إلا همّ واحد هو تعبيد الناس لله وحده لا شريك له ، فحمل المصطفون الأخيار مشعل التوحيد داعين أقوامهم إلى عبادة الله ما لهم من إله غيره ، حتى دان إلى خير البرية وسيد ولد آدم "محمد بن عبد الله " ، فكان  ختاماً لقافلة الرسل التي أضاءت للبشرية طريقها إلى الله ، فأكمل الله عز وجل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا .
وما كان رسول الله  إلا بشراً فمات وترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .
ولكن لم تنته المعركة بين الشيطان وبني آدم ، وهي معركة طويلة وصعبة يتلون فيها الباطل بـما يزينه لبني آدم ، فيتبعه أولياء الشيطان ويجانبه أولياء الرحمن .
وفي زمننا هذا اتبع الشيطان وأعوانه طريقاً آخر لهدم الإسلام ، فإنهم لم يحاولوا هدم الإسلام بأن محوا كلمة الإسلام من الوجود وإنما حرفوا معاني الكلمات الإسلامية بحيث لا تضرهم ولا تضر حكمهم .
لهذا السبب فإن مشكلة الناس اليوم وفتنـتهم هي : عدم معرفتهم الإيـمان والإسلام الحقيقي الذي يريده الله منهم وعدم معرفتهم الكفر الذي طلب الله منهم الابتعاد عنه ، لذلك أصبحوا لا يفرقون بين الكافر والمسلم ، ولا يعرفون من هو الكافر الحقيقي والمسلم الحقيقي حسب تعريف ربهم ، وأصبح الحاكم على الناس ليس كتاب الله وسنة رسوله وإنما هو آراء الناس وقناعاتهم وبقدر معلوماتهم عن الإسلام الذي أراد لهم الطاغوت أن يعرفوها ، والتي لا تشكل خطراً عليه .

هل كل من ادعى أنه مسلم في حكم الله مسلم ؟
هل كل من ادعى أنه يعبد الله يقبل الله منه عبادته ؟

لقد وجد في كل عصر من تاريخ نوح  إلى يومنا هذا أناس كثيرون يدعون أنهم على الحق ، ويدعون أنهم يعبدون الله وأنهم مؤمنون ، ولكن الله لم يقبل إيمانهم الذي ادعوه ، ولا عبادتهم التي فعلوها ، لأنها لم تكن كما يريد ، وحكم عليهم بالكفر والضلال مع ادعائهم الإيمان والعبادة ، وأرسل إليهم رسلاً يـبينون لهم الإيمان الذي يريده والعبادة التي يقبلها ، ويبينون لهم أن مجرد ادعائهم الإيمان وعبادة الله لا يفيدهم شيئاً عند الله ما لم تكن حسب ما يريده هو ويرسل به رسله .
واعلم أن قيمة الإنسان عند الله ليست بكثرة عبادته التي لا دليل له من الله عليها وإنما بكثرة العبادة التي يرضاها وأمر بها .
كم من إنسان كثير العبادة ولكنه لا يزن عند الله جناح بعوضة ، وعبادته التي يفعلها ليست عند الله بشيء ، لأنه لم يفعلها كما يريد الله ، ولم يقم بها كما أمر الله وأرسل به رسوله .
فاليهود في زمن رسول الله  كانوا كثيري العبادة لله، ويدعون أنهم موحدين وأنهم على الحق وأنهم شعب الله المختار ، وكذلك النصارى كانوا كثيري العبادة لله ويدعون التوحيد والإيمان والإسلام ، لكن الله  لم يقبل منهم توحيدهم ولا إيمانهم ولا عبادتهم ، وحكم عليهم بالكفر والضلال والشرك .
فقال عز من قائل :-  قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ  [المائدة:68].
كذلك فإن المشركين في زمن رسول الله  كانوا يؤمنون بوجود إله لهذا الكون ، خلقهم وخلق هذا الكون ، وأن هذا الإله هو المتصرف بالكون والرازق لهم ، الذي يميتهم ويحييهم ومع ذلك فإن الله  كفّرهم وحكم عليهم بالكفر والشرك ، وإذا بقوا وماتوا على ذلك فسوف يكون مصيرهم النار خالدين فيها أبداً .

فاسمع قول الله  عن هؤلاء المشركين وما كانوا يعتقدون .
قال الله تعالى :- قُلْ لِمَنْ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ  سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ . قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ  سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ . قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُــونَ  سـَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّا تُسـْحَرُونَ  بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ  [المؤمنون: 84-90].

إن الله  لا يقبل إيماناً ولا إسلاماً ولا عبادة إلا إذا كانت كما يريد وكما أمر ، وكانت خالصة لوجهه وحده.

والآن لنتساءل : إذا فعل الإنسان عبادة وكانت نيته خالصة لله ، هل يقبل الله منه هذه العبادة الخالصة إذا فعلها على غير ما يريده الله ؟
وكذلك إذا آمن إنسان بالله بنية خالصة ولكن كان إيمانه على غير ما أمر الله هل يقبل الله إيمان هذا الإنسان؟
بدون شك سيكون الجواب الصحيح أنه لا يقبل الله إيماناً ولا عملاً إلا إذا كان خالصاً له وكان على الشكل الذي يريده هو وحده .
فالله  يقول :  وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ  [لقمان: 22].

إذا كان الأمر كذلك فما هو الإيمان الذي يرضاه الله وأمرنا به ؟
وما هو الإسلام الذي يرضاه الله وأمرنا به ؟
وما هي العبادة التي يرضاها الله ويقبلها ؟
كل هذه الأمور من أين نستطيع أن نعرفها ، وأين بينها الله لنا ، ومن الذي نتبعه في هذه الأمور حتى نلقى الله ونحن مسلمين ومؤمنين بحق ؟
لا شك أن هذه الأمور كلها بينها الله لنا البيان الواضح المبين الذي لا لبس فيه ولا غموض ولا تعقيد بحيث يفهمه كل مكلف ولا يعذر لعدم فهمه عاقل ، وأمرنا في هذه المسائل والأمور أن لا نتبع غيره حتى ننال رضاه وجنته .

فقال عز من قائل :- اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ  [الأعراف: 3].
ويقول الله جل وعلا أيضاً :-   وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا  [الأحزاب: 36].
ويقول أيضاً :  وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ  [الشورى: 1]
وقال رسول الله  : ( تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ) ( ) .
وقال رسول الله  : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) ( ) .
وقال رسول الله   : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ( ).
إذا كان الإيمان والإسلام الذي يريده الله لنا والعبادة التي يقبلها منا هي ما بيّنه لنا في كتابه وسنة رسوله  ، وما عدا ذلك فهو مردود وباطل مهما ادعى صاحبه إخلاص النية لله وحده ، وما دام الأمر كذلك :
فما هو الإيمان ، وما هو الإسلام حسب القرآن والسنة؟
ومن هو الكافر ، ومن هو المؤمن ، ومن هو المشرك حسب القرآن والسنة ؟
وما هي العبادة التي يقبلها الله وأمر بها ، وبينها في كتابه وسنة رسوله  ؟
هذه الأمور هي موضوع رسالتنا هذه ، وهي التي نريد أن نبينها للناس حتى يتبينوا  أين هم من كتاب الله وسنة رسوله ، وأين هم من دين الله القويم .
فمن كان إيمانه وإسلامه حسب الكتاب والسنة فقد نجا ، ومن كان إيمانه حسب أهواءه وأهواء الناس وأراد اتباع الحق فليعد إلى كتاب الله وسنة رسوله فما زال للعودة زمان ، والله يقبل التوبة ما دامت في الجسد روح لم تغرغر ، والله هو التواب الرحيم.
وكذلك أردت أن أبين ذلك ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حيّ عن بينة .

ولنبدأ بحثنا في تعريف الإسلام .

الإسلام :- هو الخضوع لله والاستسلام له وحده وعبوديته وحده لا شريك له ، ولا تكون العبادة لله وحده إلا بالإيمان بكل ما جاء في كتابه العزيز وسنة نبيه  الصحيحة ، والعمل بهما ابتغاء مرضاة الله وحده ، واجتناب ما ينقض ذلك و يخرج صاحبه من الملة .

إذن فالمعنى الكلي العام للإسلام :- هو الخضوع والانقياد التام لله ظاهراً وباطناً .
يقول الله تعالى :-  قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ   [آل عمران: 31-32].

إن الله  بيّن لنا في كتابه الكريم ما هو الإسلام الذي يرضاه .
فقال عز من قائل :-  لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ   [البقرة: 256].
إن معنى العروة الوثقى في هذه الآية هو الإسلام ، الإسلام الذي أمر به الله ورضي عنه .
إن هذه الآية تبين لنا أن الإنسان لا يستطيع أن يستمسك بالعروة الوثقى التي هي الإسلام بمجرد الإيمان فقط ، فلا بد أن يكون إيمانه هذا مشتملاً على إنكاره ورده للطاغوت بجميع أشكاله وألوانه ، وإذا لم يفعل ذلك وآمن بالله بدون أن يكفر بالطاغوت فإن إيمانه هذا لا ينفعه ولا يقبله الله منه ، وليس له قيمة في ميزان الله يوم القيامة .
إذاً فبدون الكفر بالطاغوت حسب هذه الآية الكريمة لا يمكن أن يكون هناك إسلام ولا إيمان يقبله الله تعالى .
فإن الله  وضع شرطين للإسلام الصحيح هما: "الكفر  بالطاغوت والإيمان بالله " ، فإذا تخلف شرط واحد فلا إيمان ولا إسلام صحيح مقبول .

ولنبدأ الآن في شرح هذين الشرطين :
الشرط الأول :- الكفر بالطاغوت:
إن مما لا شك فيه أن الذي لا يعرف الطاغوت بجميع أشكاله وألوانه لا يملك إنكاره ولا الكفر به ، مهما ادعى ذلك ، فإن ادعاءه هذا هو ادعاء من أنكر شيئاً وهو لا يعرفه فليس هذا هو الإنكار المطلوب في هذه الآية الكريمة ، وكذلك الذي لا يعرف الإيمان لا يملك الإيمان به فادعاءه الإيمان ادعاء باطل مردود .
يقول الله عز وجل :-  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا  [النساء:60] .
إن الله  يخبرنا في هذه الآية الكريمة أن هناك أقوام يدعون أنهم آمنوا بالقرآن وبما أنزل على الأنبياء قبل رسول الله  ، ومع ادعائهم ذلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت .
إن الله  ينكر عليهم ادعائهم الإيمان ، لأنه لا إيمان صحيح ولا مقبول مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت فلا يجتمع في قلب واحد إيمان صحيح وإرادة التحاكم إلى الطاغوت ، ولو أنهم آمنوا حق الإيمان كما يزعمون لما أرادوا التحاكم إلى الطاغوت ، لأن الله    قد أمرهم أن يكفروا به ، بقوله تعالى :-  وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ  وبين لهم أن الشيطان عليه اللعنة يريد أن يضلهم ويخدعهم ويجعلهم يعتقدون أن ادعائهم الإيمان بما أنزل الله على رسله مع إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت يبقيهم على هذا الدين ويجعل ادعاءهم الإيمان مقبولاً عند الله :-      وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا .
وفي آية أخرى يقول جلّ وعلا :-  وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمْ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ   [الزمر: 17].
في هذه الآية بشّر الله عباداً له بالجنة ووصف لنا هؤلاء المبشّرين بالجنّة أن من صفاتهم أنهم اجتنبوا عبادة الطاغوت وأخلصوا عبادتهم كلها إلى الله  فاستحقوا بذلك البشرى بالجنّة ورضاء الله عزّ وجل ، وبذلك يبيّن الله  لنا في هذه الآية أن الذين يستحقون رضوان الله والبشرى بالجنّة ، هم الذين يجتنبون في حياتهم عبادة الطاغوت بكل أنواعه وأشكاله وصوره ، ويخلصون عبادتهم إلى الله وحده لا شريك له .
وفي هذه الآية الكريمة أيضاً يبين الله لنا بشكل واضح أن من شروط الإيمان الصحيح الذي يؤدي إلى رضى الله تعالى ودخول الجنّة ، اجتناب عبادة الطاغوت.
وفي آية أخرى يبيّن الله لنا أن جميع الرسل جاءوا لدعوة الناس إلى شيئين أساسيين هما :- " عبادة الله وحده ، واجتناب عبادة الطواغيت بجميع أشكالها وألوانها وأنواعها " ، وأن هذين الشيئين يشكلان الأساس الرئيسي لدعوة الرسل جميعهم .
فيقول عز من قائل :  وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ   [النحل: 36].
تبيّن لنا هذه الآية الكريمة أن جميع الرسل بدون استثناء بَيَّنوا وبشكل واضح أن الله لا يقبل عبادة عابد إلا إذا عبده بما شرع على لسان رسله صلوات الله عليهم جميعاً وأخلص العبادة له وحده ، واجتنب عبادة الطواغيت بجميع أشكالها وأنواعها في كل كبيرة وصغيرة .
بعد ذكر هذه الآيات البينات التي تبيّن وجوب إنكار الطواغيت وأن هذا هو ركن أساسي من أركان التوحيد ، يتوجب علينا أن نعرف ما هو الطاغوت التي لا تصلح عبادة ولا إيمان لنا إلا إذا أنكرنا هذا الطاغوت بجميع أشكاله وألوانه وأنواعه.

الطاغوت :- كل ما صرف العبد وصدّه عن عبادة الله وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله ، سواء في ذلك الشيطان من الجنّ والشيطان من الإنس والأشجار والأحجار وغيرها ، ويدخل في ذلك بلا شك الحكم بالقوانين الأجنبية والعدول عن الإسلام وشرائعه ، وغيرها من كل ما وضعه الإنسان ليحكم في الدماء والأموال والفروج وليبطل بها شرائع الله من إقامة الحدود ، وتحريم الربا والزنا والخمر ، ونحو ذلك مما أخذت هذه القوانين تحلّلها وتحميها بنفوذها ومنفّذيها ، والقوانين نفسها طواغيت وواضعوها ومروّجوها طواغيت ، وأمثالها من كلّ كتاب وضعه العقل البشري ليصرف به عن الحق الذي جاء به رسول الله  إما قصداً أو عن غير قصد من واضعه فهو طاغوت .
فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتّبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله .
يقول الله عز وجل :-  مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا  [الكهف: 26].
ويقول أيضاً : إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الـدِّينُ الْقَـيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ  [يوسف: 40].
وأما كيف نكفر بالطاغوت فهو أن نعتقد بطلان عبادة غير الله ونتركها ونكفّر أهلها ونتبرأ منهم ونعاديهم.
وحتى نستطيع أن نعرف الطاغوت بوضوح أكثر لنضرب أمثلة من مجتمعنا الحالي.

إن الله  يقول في كتابه الكريم :-  وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ   [المائدة: 38].
إن الله  يأمرنا في هذه الآية الكريمة أمراً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض ، أن من سرق من ذكر أو أنثى، فيجب قطع يده جزاء له على فعلته ، هذا أمر الله في السارق والسارقة باقٍ إلى يوم القيامة ما بقيت السماوات والأرض .
فبعد هذا الأمر الواضح الجلي فإذا جاء أحد مهما كان وصفه ومركزه ، وأصدر حكماً آخر للسارق بأن منع قطع يده ، وقال لا بد من حبسه لأن قطع اليد غير ملائم لعصرنا هذا ، أو ادعى أن حكم قطع يد السارق غير رادع ، وأن الحكم الملائم الرادع هو قتل السارق ، أو حكم أي حكم يخالف حكم الله في محكم كتابه .
إن من حكم على السارق أو السارقة حكماً غير حكم الله ، سواء بالتخفيف أو التغليظ ولو لم يصرّح بشكل واضح أن حكم الله غير صحيح أو أنه لا يقبل حكم الله ، فإنه وضع نفسه مكان الله  ، وأعطى نفسه صفة لا تكون إلا لخالق الكون ، وهي حق الحكم بين الناس وللناس ، فيكون بذلك قد نصب نفسه إلهاً من دون الله ولو لم يدّع ذلك ، ولو لم يقل "إني إله من دون الله" ، أو "اعبدوني فأنا إله" ، فإن هذا الشخص قد أعطى لنفسه حقاً لا يكون إلا لله وحده لا شريك له ، وبذلك تجاوز حده وأصبح طاغوتاً .
إن من أطاع مثل هؤلاء ولم يتبرأ منهم ولم يكفّرهم ، أو لم يكفّر من لا يكفّرهم ، فقد كفر ونقض إيمانه وإن صام وصلّى وحجّ وزعم أنه مسلم .
إن سبب كفر هؤلاء هو أنهم لم يكفروا بالطاغوت الذي أمر الله بالكفر به ، وجعل إنكاره بجميع أشكاله وألوانه وأنواعه ، قبل دخول الإيمان شرطاً لدخول الإيمان وبدون ذلك لا ينفع إيمان ولا إسلام ولا عمل .

وهاك مثال آخر يوضح معنى الطاغوت :
يقول الله عز وجل في محكم كتابه :-  وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا . . .  [البقرة: 275].
في هذه الآية الكريمة يحرم الله الربا تحريماً قطعياً بجميع أشكاله ، فإذا جاء بعد هذه الآية وهذا الحكم رئيس دولة ما ، ووضع قانوناً يسمح للبنوك التي تتعامل بالربا أن تزاول عملها في بلده ، فإن هذا الحاكم ولو لم يدّع صراحة أن الربا غير حرام ، فإنه في عمله هذا قد خالف أمر الله ، وأحلّ ما حرّمه الله ، وأعطى لنفسه حقاً لا يكون إلا لربّ العالمين وخالقهم وهو حقّ الحكم بين الناس وللناس .
فإن الله جل وعلا يقول :-   إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ  [يوسف: 40].
فإن هذا الحاكم وإن لم يقل "إني إله من دون الله " صراحة كما قالها فرعون ، فإنه بعمله هذا قد جاوز حدّه وادعى الألوهية ، وأصبح طاغوتاً يجب إنكاره ومحاربته والبراءة منه وتكفيره وتكفير من لم يكفّره ، فمن لم يتبرأ من هذا الحاكم وأطاعه ولم يكفّره أو لم يكفّر من لم يكفّره مع علمه أنه شرع مع الله بتحليله الحرام ووضعه حكماً يخالف حكم الله فقد كفر مثله لأنه لم يأت بالشرط الذي فرضه الله على من أراد أن يدخل الإيمان وهو الكفر بالطاغوت .
ومثال آخر يوضح أيضاً معنى الطاغوت ، يقول الله عز وجل :-  وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ . . .  [النور: 31]
إن الله  في هذه الآية الكريمة يأمر النساء أمراً واضحاً صريحاً أن ( يَضْرِبْنَ ) يعني يلقين ( بِخُمُرِهِنَّ ) وهو جمع خمار ( عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) ليسترن شعورهن وأعناقهن وقرطهن .
فإذا جاء حاكم ما وأصدر قانوناً يسمح للنساء أن يتجولن في الأسواق حاسرات الرأس كاشفات العورات ، ثم يقول أنه من تريد أن تتحجّب فلها ذلك ومن لا تريد فلها ذلك هذه حرية شخصية .
إن هذا الحاكم بقوله وعمله هذا وضع قانوناً وميزاناً غير قانون وميزان الله  حاكم السماوات والأرض فإنه بعمله هذا وإن لم ينكر أمر الله في هذه الآية ويرده صراحة فإنه قد أنكره فعلاً بإصداره قانوناً يخالف ذلك ، فإنه بفعله ذلك جعل نفسه مشرعاً مثل الله يعقب على حكمه ، فإن هذا الحاكم قد تجاوز حدّه وأحلّ ما حرّم الله فأصبح طاغوتاً وإن صلى وصام وحج وزعم أنه مسلم لأنه أعطى لنفسه حقاً لا يكون إلا لله وحده خالق السماوات والأرض وهو حق وضع قانون للبشر دون الله .
إن من أطاع مثل هذا الحاكم أو أعانه ولم يتبرأ منه ولم يكفّره أو لم يكفّر من لم يكفّره فقد كفر ولم يحقق شرط الإسلام ، لأنه لم يأت بشرط الكفر بالطاغوت الذي جعله الله شرطاً أساسياً لدخول الإسلام كما سبق وأن أثبتنا .
ومثالاً آخر : يقول الله تعالى حول موضوع معرفة الغيب :- وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ  [الأنعام: 59].
ويقول أيضاً : عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا . إِلا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا  [الجن: 26-27].
إن الله  يبيّن لنا في هذه الآيات أن الغيب ومعرفته بيد الله وحده  ، وأنه لا يستطيع أحد معرفة الغيب إلا إذا أخبره الله بذلك ، والله  لا يخبر إلا عن طريق الوحي لمن ارتضى من رسول ، ويكون إخباره للغيب إخباراً جزئياً وليس كلياً أي إخباراً لبعض الحوادث وليس لكل الغيب ، فحتى الرسل والأنبياء لا يعرفون الغيب إلا بالقدر الذي يخبرهم به الله عن طريق الوحي الذي يحفظه الله من تدخل الشياطين.
بعد إيضاح هذه الحقيقة الربّانيّة نقول : إذا ادعى شخص في زمننا هذا مهما كان ، أنه يعرف الغيب ، مثل ما يدور في قلوب الناس ، أو ما سيحدث في المستقبل ، فإن هذا الشخص إما أنه قد ادعى أنه ينزل عليه وحي من السماء فيكون بذلك قد ادعى أنه رسول أو نبي ، وبذلك فقد أنكر أن رسول الله  هو خاتم الأنبياء وأنه لا نبي بعده فيكون بذلك قد كفر برسالة محمد  ، أو أنه يدّعي معرفة الغيب بدون وحي من  الله فيكون قد ادعى أنه يملك صفة لا تكون إلا لله وحده فاطر السماوات والأرض علاّم الغيوب ، فبذلك يكون قد أعلن نفسه إلهاً من دون الله وإن لم يقل ذلك صراحة .
إن من ادعى خاصية معرفة الغيب قد تجاوز حدّه وأصبح طاغوتاً ، فإن هذا الشخص مهما ادعى أنه مسلم وأنه يصلّي ويصوم ويحجّ ويفعل جميع أركان الإسلام ، فإن هذا الشخص بادعائه خاصية معرفة الغيب قد كفر بما جاء به محمد  ، فمن صدّقه أو أطاعه أو لم يكفّره ويتبرأ منه أو لم يكفّر من لم يكفّره فقد كفر وخلع ربقة الإسلام من عنقه وإن صام وصلّى وزعم أنه مسلم ، لأنه لم يحقق شرط الكفر بالطاغوت الذي لا يدخل الإسلام ويتمسّك بالعروة الوثقى من لم يحقّق هذا الشرط كما أمره الله ، والإتيان بهذا الشرط قولاً فقط لا يفيد شيئاً فيجب أن يحققه عقيدة وقولاً وعملاً .
هذه بعض الأمثلة سردتها لتوضيح معنى الطاغوت بشكل واضح يفهمه العامّي فضلاً عن العالم ليتبين كل إنسان أين هو من إنكار الطواغيت وأين هو من الإسلام ، دين الله الذي ارتضاه الله له .
والآن من هو المؤمن في دين الله ؟
يعرف الله جلا وعلا المؤمن فيقول عز من قائل :
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا  [النساء: 65].
في هذه الآية الكريمة يقسم الله بنفسه قسماً توجف منه القلوب وتقشعر منه الأبدان أنه من لم يحكّم رسول الله  في كل كبيرة وصغيرة في مجال الحياة كلّها ، أو حكّمه ولم يقبل حكمه أو قبل حكمه ولكن عن عدم رضى في قلبه ، أو قبله في قلبه ولكن لم يستسلم له تسليماً كاملاً في الظاهر فإنّ هذا الشخص مهما ادّعى الإيمان فإنّ الله  يقسم بنفسه أنه لم يؤمن وأن الإيمان لا يكون إلا بتحكيم رسول الله  في حياته ، وتحكيم ما جاء به الرسول  من الله كتاباً وسنة بعد مماته والقبول بحكمه عن طيب نفس مع انشراح القلب وعدم الشكّ والضيق لحكمه مهما كان هذا الحكم والتسليم لهذا الحكم كلّ التسليم ، فإذا لم تجتمع هذه الأمور كلها فلا إيمان ولا إسلام مهما ادعى ذلك باللسان.
فالإنسان كي يعدّ من المسلمين والمؤمنين يجب عليه أن لا يحكِّم غير كتاب الله وسنة رسوله في كل أمور حياته كبيرها وصغيرها ، ولا يكفي ذلك وحسب بل يجب عليه أن يرضى ويتقيد ويستسلم التسليم الكامل لهذا الحكم ظاهراً وباطناً.
قد يقول شخص يدعي الإسلام أن الدولة التي نعيش فيها لا تحكِّم كتاب الله ولا سنة رسوله  ، فإذا لم نذهب إلى محاكم الطاغوت التي تحكم بغير ما أنزل الله فسوف تضيع حقوقنا ، ولا بدّ لنا للحصول على حقوقنا المغتصبة أن نذهب إلى هذه المحاكم ونشتكي إليها في المسألة ، فنحن من ناحية قلبية لا نؤمن بهذه المحاكم ونعتبرها طاغوتاً ولكن لأننا مجبورين حتى لا تضيع حقوقنا فلا بدّ لنا من تحكيمها ، فكيف نصبح بذلك كفاراً غير مؤمنين ونيّتنا وقلوبنا خالصة لله ليس فيها شرك ولا قبول لغير شرع الله ؟
نقول لهؤلاء نريد أن نسألكم سؤالاً : إذا قال لكم شخص وقد غصب حقكم ، إذا أردتم استرجاع حقكم هذا فعليكم أن تصلّوا لي أو أن تصوموا لي، فهل تفعلون ذلك ؟
وإذا فعلتم ذلك هل تبقون مسلمين ؟
لا بد أن تجيبوا بلا ، لأن الصلاة أو الصيام عبادة لا تكون إلا لله وحده ، ومن فعلها لغير الله فقد عبد غيره وأشرك به ، لأنه من صلّى أو صام لشخص ما مهما كان هذا الشخص فقد وضعه موضع الإله .
فهل فكرتم - هداكم الله - لماذا حرّم الله  التحاكم إلى غير شريعته وحكم على من تحاكم إلى غير كتابه وسنة رسوله بالضلال المبين والكفر المخرج من الملة ووصفه بأنه قد عبد الطاغوت.
إن قبول أن الله  هو الحاكم الوحيد في الدنيا والآخرة وأن التحاكم إلى كتابه وسنة رسوله  عبادة مثل الصلاة والصوم والحج ركن من أركان التوحيد . فمن صرف هذه العبادة أو جزءاً منها إلى غير الله فهو كمن صلى وصام لغير الله ، فهذه عبادة وهذه عبادة ، فالله  يقول لنا أن الحكم والتحاكم لله وحده ، لا يقبل شريكاً له في ذلك لا في كبيرة ولا في صغيرة وأن ذلك هو عبادة له لا تجوز لغيره مهما كان ومن كان .
يقول الله عز وجل :- إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ  [يوسف: 40].          
إن ادعاءكم عدم محبة الطاغوت والكفر به ومع ذلك تتحاكمون إليه ، إدعاء كاذب يكذّبه عملكم ، فلو كنتم تكفرون بالطاغوت وتبغضونه ما تحاكمتم إليه في كبيرة ولا في صغيرة مهما ضاعت حقوقكم فالرزق على الله لا يملك أحد زيادته ولا نقصانه .
إن مسألة التحاكم إلى غير الله ليست مسألة حق وحقوق وضياعها ، إنما هي صرف عبادة من العبادات إلى غير الله وإعطاء حقاً من حقوق الله إلى غير الله ورفع شخص أو أشخاص إلى مرتبة الله ، فهذا هو الكفر والشرك بعينه .
إن الله  يرفض ادعاء هؤلاء الناس الإيمان ولا يعتبرهم مسلمين مهما كان ادعائهم الإيمان بما أنزل على محمد  ، لأنهم مع ادعائهم الإيمان يريدون أن يعملوا عملاً لا يجتمع مع الإيمان الحقيقي ، لأنه من آمن بالله الإيمان الصحيح لا يريد التحاكم إلى الطاغوت لا في نفسه ولا في عمله .
يقول الله عز وجل :-  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا  [النساء: 60].
إن هذه الآية الكريمة تبين أن الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت مع ادعائهم الإيمان يريد الشيطان أن يضلّهم ، فيوسوس لهم ويخدعهم ويزيّن لهم ويفهمهم أنهم سيبقون على إيمانهم ولو أرادوا التحاكم إلى الطاغوت وحتى لو تحاكموا إليه . يقول الله عز وجل : وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا
قال الشيخ سليمان بن سمحان عندما سئل عن التحاكم  إلى الطاغوت بحجة الاضطرار ، قال :-
" المقام الثاني : أن يقال إذا عرفت أن التحاكم إلى الطاغوت كفر ، فقد ذكر الله في كتابه أن  الكفر أكبر من القتل ، قال تعالى: (والفتنة أكبر من القتل) ،  وقال: (والفتنة أشد من القتل) ، والفتنة هي الكفر ، فلو اقتتلت البادية والحاضرة حتى يذهبوا لكان أهون من أن ينصبوا في الأرض طاغوتا يحكم بخلاف شريعة الإسلام ، التي بعث الله بها رسوله .
المقام الثالث : أن نقول إذا كان التحاكم كفراً ، والنزاع إنما يكون لأجل الدنيا ، فكيف يجوز أن تكفر لأجل ذلك ، فإنه لا يؤمن أحد حتى يكون الله ورسوله أحب إليهما مما سواهما ، وحتى يكون الرسول أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ، فلو ذهبت دنياك كلّها لما جاز المحاكمة إلى الطاغوت لأجلها ، ولو اضطرك أحد وخيّرك بين أن تحاكم إلى الطاغوت أو تبذل دنياك لوجب عليك البذل ، ولم يجز لك المحاكمة إلى الطاغوت والله أعلم" اهـ ( ).

وحتى نفهم هذه المسألة جيداً لنتدبر هذه الآيات البينات .
قال تعالى :  إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ  ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُم  فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ  ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَه ُ فَأَحْبَطَ  أَعْمَالَهُم [محمد: 25-28].

وبعد أن بينّا وبشكل واضح مع الأمثلة الشرط الأول للدخول في الإسلام وهو الكفر بالطاغوت ، نأتي إلى شرح الشرط الثاني وهو الإيمان بالله .

الشرط الثاني :- الإيمان بالله :
شروط الإيمان كما فرضها الله جل وعلا ستة لا يتحقق الإيمان الصحيح الذي يقبله الله إلا بالإيمان بهذه الشروط على الوجه الصحيح كما يريده الله لا كما تريده أهواؤنا ، فإذا اختل ونقص شرط من هذه الشروط فلا إيمان ولا إسلام يقبله الله عز وجل.
يقول الله جل وعلا :-  ‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا  [النساء: 136].
شروط  الإيـمان
1.  الإيمان بالله عز وجل :- معناه الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه ، وأنه كما خلق الخلق لوحده فهو الوحيد صاحب الحق لوضع قانون ينظم حياتهم ، وأنه وحده المستحق أن يفرد بالعبادة من صلاة وصوم ودعاء ورجاء وخوف وذل وخضوع ، وأنه المتصف بصفات الكمال كلها المنزه عن كل نقص من صفات المخلوقين ليس كمثله شيء وهو السميع العليم.
2. الإيمان بالملائكة :- هو التصديق الجازم بأن لله ملائكة موجودين مخلوقين من نور ، وأنهم كما وصفهم الله : عباد مكرمون ، يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون ، وأنهم قائمون بوظائفهم التي أمرهم الله بالقيام بها ، وأنهم مخلوقات نورانية ليس لها جسم مادي يدرك بالحواس الإنسانية ، وأنهم ليسوا كالبشر فلا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتزاوجون ، وأنهم ليسوا ذكوراً ولا إناثا.
فما ورد تعيين اسمه في القرآن الكريم والسنة الصحيحة [كجبريل وميكال وإسرافيل ورضوان ومالك ] ، وما ورد تعيين نوعه المخصوص كحملة العرش والحفظة والكتبة فيجب الإيمان بهم على التفصيل ، وأما البقية فيجب الإيمان بهم إجمالاً والله أعلم بعددهم لا يحصي عددهم إلا هو .
3. الإيمان بكتب الله :- هو أن نؤمن بالكتب التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله ، ومن هذه الكتب ما سمّاه الله لنا في القرآن الكريم ومنها ما لم يسم ، والذي أخبرنا الله به عز وجل منها [ التوراة والإنجيل والزبور والصحف التي أنزلها على إبراهيم وموسى ] ، وأما الكتب الأخرى التي نزلت على سائر الرسل فلم يخبرنا الله تعالى عن أسمائها وإنما أخبرنا سبحانه أن لكل نبي أرسله الله رسالة بلغها قومه ، كما يجب أن نؤمن أن جميع الكتب التي أنزلها الله نزلت بالحق والنور والهدى وتوحيد الله  في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ، وأن ما نسب إليها مما يخالف ذلك إنما هو من تحريف البشر وصنيعهم ، ونؤمن أن جميع الكتب ما عدا القرآن قد حرّفت ، أما القرآن الكريم فقد حفظه الله تعالى من التبديل والتحريف والتغيير ، وأن القرآن الكريم هو آخر كتاب نزل من عند الله وأن حكمه باق إلى يوم القيامة دون تحريف ولا تبديل ولا تغيير ، وأنه قد أنزل لجميع الإنس والجن ، وأنه يجب اتباع أمره واجتناب نهيه وتصديق خبره وتحكيمه في كل كبيرة وصغيرة .
فالإيمان بالكتب التي نزلت قبل القرآن وطرأ عليها التحريف هو التصديق أنها من عند الله في أساسها وليس في وضعها الحالي بعد التحريف ، فوضعها الحالي لا نؤمن بشيء من محتوياته أنه من عند الله إلا بما ذكره القرآن والرسول  .

4- الإيمان برسل الله :- هو التصديق الجازم بأن لله تعالى رسلا أرسلهم لإرشاد الخلق في معاشهم ومعادهم ، فيجب علينا الإيمان بمن سمى الله منهم في كتابه وسنة رسوله  على التفصيل ، والإيمان جملة بأن لله رسلاً وأنبياء غيرهم لا يحصي عددهم إلا الله ولا يعلم أسماءهم إلا هو جل وعلا .
5- الإيمان باليوم الآخر :- هو الإيمان بكل ما أخبر به الله عز وجل في كتابه وأخبر به رسوله  مما يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذابه ونعيمه والبعث والحشر والصحف والحساب والميزان والحوض والصراط والشفاعة والجنة والنار وما أعدّ الله تعالى لأهلها جميعاً .
6. الإيمان بقضاء الله وقدره خيره وشره من الله :-      
ولا يقبل الله من العبد إيمانه بالقضاء والقدر إلا إذا آمن بهذه الأشياء الأربعة :-
1- الإيمان بعلم الله القديم الأزلي وأنه علم بأعمال العباد قبل أن يعملوها وكتبه في اللوح المحفوظ .
2- الإيمان بأن ما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن وأن ما في السماوات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله تعالى .
3- الإيمان بأن الله تعالى أوجد جميع الخلق ، وأنه خالق كل شيء بما في ذلك أفعال العباد ، وأن كل ما سواه مخلوق ، وأن ما في الكون بتقدير الله وإيجاده .
4- الإيمان بأن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .

يقول الله   :-  إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ  [القمر: 49].
إن كل شيء بقضاء الله وقدره . إن الله يخلق أفعال العباد كلها ولكن لأن الإنسان هو الذي يفعل وبمحض اختياره وإرادته ، فإنه يحاسب على فعله فإن كان خيراً فخير وإن كان شر فشر .
إن الله  خلق في الإنسان قابلية معرفة الخير من الشر، والحق من الباطل وأعطاه حرية الاختيار .
فقال عز وجل :-  إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا   [الإنسان: 3].
إن كل شيء يحصل في ملك الله بمشيئة الله وإرادته ، ولكن الله لا يرضى لعباده الكفر ولم يأمر به وإنما نهى عنه وأمر بالإيمان ورضي عنه .
إن الله  علم كل ما حصل وسيحصل في الأرض ، فعلمه لا يتغير ولا يتبدل ، فهو عالم بكل شيء عالم به متى يكون وكيف يكون قبل أن يكون . فليس في علم الله ماض ولا حاضر ولا مستقبل كل شيء علمه عنده ، فهو يعلم بالإنسان قبل أن يخلقه كيف يكون بعد أن يخلقه ، هل يؤمن أو يكفر وهل يموت على الإيمان أو الكفر . فإذا كتب الله علمه هذا في كتابه المحفوظ فإن كتابته هذه لا تتغير وسوف تتحقق كما كتبت ، ولكن كتابة الله في اللوح المحفوظ لا تعني أنه قد أجبر العبد على الإيمان أو الكفر ، فإن الله  أعطى للعبد حرية اختيار الإيمان أو الكفر ، ولهذا يحاسبه على اختياره فيجازيه أو يكافئه ، فالعبد يختار الإيمان أو الكفر بمحض إرادته التي أعطاها الله له . أما كتابة الله  أفعال العباد منذ خلقهم إلى مماتهم قبل خلقهم وقبل فعلهم فهذا لا يعني إجبارهم على هذه الأفعال ، وإنما لأن الله يعلم كل شيء وليس في علمه جديد ، فليس في علم الله ماض ولا حاضر ولا مستقبل  فعلم الله علم انكشاف ليس علم إجبار ، وكتابته في اللوح المحفوظ كتابة علم لا كتابة إجبار .
بعد بيان الإيمان والإسلام الذي يريده الله بشكل واضح لا لبس فيه ولا مواربة ولا تحريف ، وبيان ما هي الشروط اللازمة لذلك ، ننتقل إلى موضوع آخر مهم جداً مثل الذي سبقه وهو كيف يحافظ المؤمن على هذا الإيمان والإسلام حتى يلقى الله وهو مؤمن مسلم.

يبين الله لنا الغاية من خلقنا ، فيقول جلّ وعلا :-
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ  [الذاريات: 56].
إن هذه الآية تبيّن لنا أن الغاية من خلق الجن والإنس هي لعبادة الله وحده لا شريك له .
فما هي هذه العبادة التي يريدها الله منّا وخلقنا لأجلها ؟
إن المعنى اللغوي لكلمة العبادة : هو الذل والخضوع والطاعة .
وأما المعنى الشرعي : فهو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه وأمر به من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة .        
إن الله  لم يترك لنا تعيين ما هو عبادة  وما هو ليس بعبادة ، وإنما حدّد لنا ذلك وبيّنه في كتابه وسنة رسوله  .

إن ما بيّنه الله لنا بأنه عبادة يجب علينا أن لا نفعله إلا لله وحده ولا نشرك به شيئاً ، فإذا صرفنا عبادة من العبادات لغير الله فقد عبدنا غيره وأشركنا به .
يقول الله عز وجل :-  وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا …  [النساء: 36].
إن الله  يأمرنا في هذه الآية الكريمة أن لا نعبد إلا الله وأن لا نصرف أي نوع من أنواع العبادة كبيرة كانت أو صغيرة لغير الله ، لأن هذا شرك بالله يحبط العمل ويخرج من الملة ، وإن لم يتب العبد منه ومات على ذلك فلن يغفر الله له وكان مصيره النار خالداً فيها أبداً .

يقول الله جل وعلا :- إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا  [النساء: 116].
وقال أيضاً :-إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ  [المائدة: 72].
وقال أيضاً :- ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  [الأنعام: 88].
وقال أيضاً :- مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ  [التوبة: 17].
وقال أيضاً :- قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ  وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّـذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِين [الزمر: 64-65].

ما هو الشرك الذي ذكر في هذه الآيات الكرام والذي يحبط العمل ، والذي إذا مات العبد عليه لن يغفر الله له ، وكان مصيره نار جهنم خالداً فيها أبداً ؟

ما هو هذا الشرك ؟ وكيف نعرفه حتى نتجنبه ، لأننا إذا لم نعرفه المعرفة التامة فاحتمال وقوعنا به وارد في كل لحظة ، فيجب علينا معرفته حتى لا نقع فيه وتحبط أعمالنا ، وحتى نلقى الله مؤمنين ومسلمين ؟
الشرك : هو صرف إحدى العبادات التي بيّنها الله لنا في الكتاب والسنة إلى غير الله دونه أو معه .

إن الله  بيّن لنا الشرك في كتابه وسنة نبيه  البيان الشافي الذي لا يسع أحد الجهل به ولا يعذر بعدم معرفته من بلغه كتاب الله وسنة نبيه  .

يقول الله عز وجل :- وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ  [يوسف: 106].
يبيّن الله  لنا في هذه الآية الكريمة أن الإيمان الذي يشاركه الشرك لا يقبله الله وأن أكثر الناس إيمانهم مخلوط بنوع من أنواع الشرك ، ومع ذلك ليس لهم معذرة بذلك ، لأن كثرة المشركين لا تبرر الشرك ولا تغفره ، وأن من خلط إيمانه بأي نوع من أنواع الشرك الذي يبطل التوحيد فهو مشرك ، لا يسمى مؤمناً ولا مسلماً مهما ادعى الإيمان والإسلام . إن الله  لا يقبل إلا الدين الخالص من أي نوع من أنواع الشرك .

يقول الله عز وجل :- وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ  [لقمان: 22].
ومعنى ( وَهُوَ مُحْسِنٌ ) في الآية أي : خال من الشرك لم يصرف أي عبادة من العبادات ، كبيرة كانت أو صغيرة إلى غير الله دونه أو معه .
حتى تفهم معنى العبادة بشكل واضح كما يريدها الله لنضرب بعض الأمثلة :
إن أكثر الناس اليوم عند سؤالهم ما هي العبادة ؟ يجيبون بأنها الصلاة والصوم والزكاة والحج ومما يشابهها ، ويعرفون أن من صرف إحدى هذه العبادات إلى غير الله فقد أشرك بالله تعالى ، ولكن الله  يخبرنا أن هناك عبادة من العبادات لا تقل عن الصلاة والصوم والزكاة والحج ، ولكن كثيراً من الناس لا يعرفونها .
فيقول تعالى :-  إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْـبُدُوا إِلا إِيَّـاهُ ذَلِكَ الـدِّينُ الْقَيِّمُ وَلـكِنَّ أَكـْثَرَ الـنَّاسِ لا يَعْلَمُونَ  [يوسف: 40]
إن هذه الآية الكريمة تبيّن لنا أن حق الحكم بين الناس في مجالات الحياة كلّها صغيرها وكبيرها ليس لأحد سوى الله تعالى ، وأن إعطاء هذا الحق لله وحده هو عبادة له ، وأن إعطاء هذا الحق أو جزء منه ولو قليلاً إلى أي مخلوق هو شرك بالله أكبر يخرج صاحبه من الإسلام ويبطل عمله. وإن لم يتب منه فمصيره نار جهنم خالداً فيها أبداً.
كما تبيّن لنا هذه الآية الكريمة أن كثيراً من الناس لا يعرفون أن قضية توحيد الله في الحكم وعدم قبول غير حكمه هي عبادة مثل الصلاة والصيام والزكاة والحج ، وأن من أعطى حق الحكم لغير الله فقد عبده من دون الله.
وتبيّن لنا كذلك أن الدين القيّم الذي يقبله الله هو الدين الذي يكون فيه حق الحكم فقط لله وحده في كل كبيرة وصغيرة  ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم ُ .
إن حق الحكم لا يكون إلا لمن يتصف بصفات الألوهية لأنه وحده الذي يستحق العبادة ، فإذا أعطي هذا الحق إلى غيره أو معه فقد أشرك به وعبد غيره وخولف أمره ، فالله  يأمرنا أن لا نعبـد غـيره فيقول أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ.
إن من أعطى حق الحكم والحاكمية لغير الله دونه أو معه فإنه قد نصبه إلهاً له من دون الله ، ولو لم يقل له صراحة أنت إلهي ، فبمجرد إعطائه هذا الحق ولو في جزء بسيط فقد عبده .
إن كثيراً من الناس يعرفون أن من صلّى أو صام أو حج لغير الله فقد أشرك به وعبد غيره ، ولكن أكثرهم لا يعرفون أن من أعطى حق الحكم لغير الله فقد أشرك به وعبد غيره ، لهذا يبيّن الله لنا هذا الحقيقة في قوله تعالى :- وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ، أي لا يعلمون أن إعطاء حق الحكم لغير الله هو عبادة لغيره وشرك به مثل الصلاة والصوم والحج لغيره . وكونهم لا يعلمون ذلك لا يجعلهم على هذا الدين القيّم ، لأن الدين القيّم هو الدين الذي يكون فيه الحكم جميعه كبيره وصغيره لله وحده ، هذا هو معنى قـوله تعالى :- ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ .

وهناك مسألة لا بدّ من التطرق لها وهي مسألة الديمقراطية والأحزاب السياسية .
هناك أناس يدّعون أنهم يريدون إعادة تحكيم الشريعة الإسلامية ، ولكن عن طريق إقامة حزب سياسي يدخل الانتخابات البرلمانية على أساس النظام الديمقراطي الكافر وعند نجاحه في الانتخابات سيقوم بتغيير قوانين البلاد من قوانين غير إسلامية كافرة إلى قوانين إسلامية ، وبهذه الطريقة يتم تحكيم الشريعة الإسلامية وبدون هدر لدماء المسلمين كما يدّعون .
إن من يدّعي أنه يجوز له أن يؤسس حزباً سياسياً تابعاً لقوانين الكفر في دولة ديموقراطية لا تحكم بالإسلام ، مدّعياً أن عمله هذا لخدمة الإسلام والمسلمين ، أو أن ينضم إلى حزب سياسي موجود تابع لقوانين الكفر للحصول على بعض المنافع لأجل الإسلام والمسلمين كما يدّعي ، إن قوله وعمله هذا إن دلّ على شيءٍ فإنه يدلّ على جهله بالتوحيد وجهله بِـ "لا إله إلا الله محمد رسول الله" أو على أنه يعمل على هدم الإسلام وتخدير أهله وخداعهم وتثبيت حكم الطاغوت .
إن تأسيس حزب سياسي تابع لقوانين الكفر يقسم بالله على المحافظة والاحترام والإخلاص لقوانين الكفر (الدستور) والطاغوت (حاكم البلاد) كما يحدث في كثير من البلاد التي تدعي الإسلام مع تطبيقها القوانين الوضعية وتركها كتاب الله ، إن ذلك ولو كان لغاية إقامة حكم إسلامي ، هو كفر بواح لا يقوم به ولا يطالب بإقامته ولا يجيزه مسلم موحّد يؤمن بِـ &q
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kkkk424.forumegypt.net
 
المسلم الحق ( بحث ممتاز )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الحكم لله ( بحث ممتاز )
» الطاغوت ( بحث ممتاز )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الحق المبين :: الأبحاث والرسائل-
انتقل الى: