[b]الدرس الأول بِِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ الحَمْدُ للهِ المُتَّصِفِ بِكُلِّ كَمَالٍ ، المُنَزَّهِ عَنْ كُلِّ نُقْصَانٍ ، يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ، وَإِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ والعمل الصالح يرفعه ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ . الحَمْدُ للهِ وَلا يَسْتَحِقُّ الحَمْدَ وَلا الثَّنَاءَ وَلا الرَّجَاءَ إلا اللهُ . الحَمْدُ للهِ وَلا يَسْتَحِقُّ السُّؤالَ وَلا الدُّعَاءَ وَلا التَّذَلُّلَ وَلا الخُضُوْعَ وَلا التَّضَرُّعَ إِلا الله . الحَمْدُ للهِ وَلا خَافِضَ وَلا رَافِعَ وَلا مُعِزَّ وَلا مُذِلَّ وَلا مُعْطِيَ وَلا مَانِعَ إِلا الله . اللهُمَّ لا تَوَكُّلَ وَلا اعتِمَادَ إِلا عَلَيْكَ ، وَلا فِرَارَ وَلا لجُوْءَ إِلا إِلَيْك . وَبَعْدُ : فالعربية من شعائر الدين , ومن يتحدث بالعربية فإنه يتحدث بلسان الدين ,لهذا حتى نستطيع أن نفهم القرآن والسنة والكتبَ الإسلاميةَ التي ألفت بهذا اللسان يجب أن نعرف هذه اللغة بقواعدها . تَعَلُّم ما يلزم من اللغة العربية ليس صعباً ، نعم اللغة العربية كثيرة التفاصيل كثيرة الذيول ولكن المسلم ليس صعباً عليه إذا أخلص لله النية أن يتعلم ما يهمه ويعينه على فهم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم ، ويعينه أيضاً على إقامة لسانه وقلمه . وأحسن كتب النحو للمبتدئين متن الآجرومية ، وهي كافية لمن اقتصر عليها . ونحن بعون الله سوف نشرح في هذه الدروس متن الآجرومية في علم النحو للإمام أبي عبد الله محمد بن آجروم . والشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي المشهور بابن آجروم , هو أحد علماء النحو المتأخرين وهو عالم اشتهر بهذه المقدمة , هذا المتن , ولم يشتهر بغيرها، ولد الشيخ ابن آجروم عام سبعمائة واثنين وستين وتوفي عام سبعمائة وثلاثة وعشرين هجرية, وهو صنهاجي من فاس مغربي . وكلمة آجروم : في لغة البربر معناها الفقير الصوفي . ويمتاز هذا المتن , متن الآجرومية ، بسهولة العبارة وشدة الاختصار . وهو متن موجه إلى المبتدئين . وهو أنسب المتون للمبتدئين لأنه سهل العبارة وسهل الحفظ ويصل مباشرة إلى أهم الأبواب النحوية ، لذلك عني بشرحه كثير من العلماء . ولقد وصل عدد شروحه إلى أكثر من مئة شرحاً . الأجورومية كما قلنا ايها الأخوة متن مختصر في علوم النحو ، وكلمة النحو تطلق في اللغة العربية على عدَّة معان : منها الْجِهَةُ ، تقول : ذَهَبْتُ نَحْوَ فلاَنٍ ، أي :جِهَتَهُ . ومنها الشِّبْهُ والمِثْلُ ، تقول :مُحَمَّدٌ نَحْوُ عَلِيّ ، أي شِبْهُهُ وَمِثْلُهُ . وتطلق كلمة " نحو " في اصطلاح علماء النحو على " العلم بالقواعد التي يُعْرَف بها أحكامُ أوَاخِرِ الكلمات العربية في حال تركيبها : من الإعراب ، والبناء وما يتبع ذلك " . وهو موضوع دروسنا . أيها الأخوة موضوعُ علمِ النحوِ الذي سندرسه هو : الكلمات العربيةُ ، من جهة البحث عن أحوالها المذكورة . أما الهدف من هذا العلم فهو صِيَانَةُ اللسان عن الخطأ في الكلام العَرَبِّي ، وَفَهْمُ القرّآنِ الكريم و الحديثِ النبويّ الشريف اللذَيْنِ هما أَصْلُ الشَّريعَةِ الإسلامية ، وعليهما مَدَارُها ،. وأول من وضع علمَ النحو هو أبو الأسْوَدِ الدُّؤلِىُّ ، بأمر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه . أما عن حكمِ تعلُمِ هذا العلم فهو فرض كفاية ، وربما تَعَيَّنَ تعَلُّمُهُ على واحد فَصَار فَرْضَ عَيْنِ عليه . والآن أيها الأخوة سنبدأ بعون الله في شرح هذا المتن : قال المصَنِّف رحمه الله : الكَلاَمُ هُوَ اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ الْمُفِيدُ بِالْوَضْعِ . - وقصده بالكلام هنا الكلام في علم النحو : لأن لِلَفْظِ " الكلام " معنيَان : أحدهما لغوي ، والثاني نحويّ . أما الكلام الغوي فهو عبارة عَمَّا تَحْصُلُ بسببه فَائِدَةٌ ، سواءٌ أَكان لفظاً ، أم لم يكن كالخط والكتابة والإشارة . وأما الكلامُ النحويُّ ، فلا بُدَّ من أن يجتمع فيه أربعة أمور كما بينها المصنف هنا : الأول أن يكون لفظاً ، والثاني أن يكون مركَّباً ، والثالث أن يكون مفيداً ، والرابع أن يكون موضوعاً بالوضع العربي . فقد قال المصنف رحمه الله : الكَلاَمُ هُوَ اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ الْمُفِيدُ بِالْوَضْعِ . يعني حتى يكون الكلام كلاماً عند النحويين لا بد أن تتوفر فيه أربعة شروط : وهي 1- أن يكون لفظاً 2- أن يكون مركباً 3- أن يكون مفيداً 4- أن يكون بالوضع العربي . ومعني كونه لفظاً : أن يكون صَوْتاً مشتملاً على بعض الحروف الهجائية التي تبتدئ بالألف وتنتهي بالياء مثل " أحمد" و " يكتب " و " سعيد " فهذه الكلمات تتكون من أحرف هجائية يتلفظ بها . وهذا يعني: أنه لابد للكلام عند النحويين أن يكون شيئاً مسموعاً ، فلا تسمى عند النحويين الإشارة كلاماً ولا تسمى الكتابة كلاماً .لعدم كونها صوتاً مشتملاً على بعض الحروف ، وإن كانت تسمى عند اللغويين كلاماً ؛ لحصول الفائدة بها . فمثلا ً: إذا قال لك قائل " هل أحضرت لي الكتاب الذي طلبته منك ؟ " فأشرت إليه برأسك من فوق إلى أسفل ، فهو يفهم أنك تقول له : " نعم " إذا فهذه الإشارة مفهومة ، ولكنها ليست كلاماً عند النحويين لكونها غير ملفوظة ولا مسموعة . أما الشرط الثاني حتى يكون الكلام كلاماً عند النحويين أن يكون "مركباً " : يعني أن يكون مؤلفاً من كلمتين أو أكْثَرَ ، مثل : " سعيدٌ مُسَافِرٌ " و " أكل علي طعام الغداء" فكل عبارة من هذه العبارات تسمى كلاماً ، وكل عبارة منها مؤلفةٌ من كلمتين أو أكْثَرَ ، فالكلمة الواحدة لا تسمَّى كلاماً عند النحاة إلا إذا انْضَمَّ إليها غيرها : سواءٌ أَكان انضمام غيرها إليها حقيقةً كالأمثلة السابقة ، أم تقديراً ، كما إذا قال لك قائل : مَنْ أَخُوكَ ؟ فتقول : سعيدٌ ، فهذه الكلمة تُعتَبَرُ كلاماً ، لأن التَّقدِير : سعيدٌ أَخِي : فهي في التقدير عبارة مؤلَّفة من كلمتين . وأما الشرط الثالث حتى يكون الكلام كلاماً عند النحويين أن يكون " مفيداً " : يعني أن يَحْسُنَ سكوتُ المتَكلم عليه ، بحيث لا يبقى السَّامِعُ منتظراً لشيءٍ آخر ، فلو قلت " إِذَا حَضَرَ الطبيبُ " لا يسمى ذلك كلاماً عند النحويين ، مع أَنَّه لفظ مركب من ثلاث كلمات ؛ لأن المخاطب لم يفهم ما تريد قوله ، لهذا فهو ينتظر ما ستقوله بعد هذا مِمَّا يَتَرَتَّبُ على حضور الطبيب . فإذا قلت : " إذَا حَضَرَ الطبيبُ فسيعالج المريض "صار كلاماً ، لحصول الفائدة . وأما الشرط الرابع حتى يكون الكلام كلاماً عند النحويين كونه موضوعاً بالوضع العربيِّ : يعني أن تكون الألفاظ المستعملة في الكلام من الألفاظ التي وَضَعَتْهَا العربُ للدَّلالة على معنى من المعاني : مثلاً " حَضَرَ " كلمة وضعها العربُ لمعنى ، وهو حصول الحضور في الزمان الماضي ، وكلمة " سعيد " قد وضعها العربُ لمعنى ، وهو ذات الشخص المسمى بهذا الاسم ، فإذا قُلْتَ " حَضَرَ سعيدٌ " تكونُ قد استعملت كلمتين كُل منهما مما وَضعه العرب ، بخلافِ ما إذا تكلمْتَ بكلام مما وضعه العَجَمُ : كالفرس ، والترك ، والبربر ، والفرنج ، فإنه لا يسمى في عُرف علماءِ العربية كلاماً ، وإن سمَّاهُ أهل اللغة الأخرى كلاماً . وسأضرب بعض الأمثلة المستوفية للشروط الأربعة للكلام عند النحويين . الْجَوُّ صَحْوٌ . الْبُسْتَانُ مُثْمِرٌ . الْهِلاَلُ سَاطِعٌ . السَّمَاءُ صَافِيَةٌ . يُضِيءُ الْقَمَرُ لَيْلاً . يَنْجَحُ المُجْتَهِدُ . لاَ يُفْلِحُ الكَسُولُ . لاَ إِلهَ إلاَّ الله . مُحَمَّدُ صَفْوَةُ الْمُرْسَلِينَ . الله رَبُّنَا . محمد نَبِيُّنَا . هذه أمثلة لكلامٍ مركبٍ مفيدٍ موضوعٍ بالوضع العربيِّ أما عن الكلامِ المركبِ غير المفيد مثل :
مدينة الأسكندرية . عَبْدُ الله . حَضْرَمَوْتُ . لو أَ نْصَفَ الناس . إذا جاءَ الشتاءُ . مَهْمَا أَخْفَى المُرَائِي . إن طَلَعَتِ الشَّمسُ .
فهذا كلام مركبٌ بالوضعِ العربي ولكنه غير مفيد لهذا لا يسمى عند النحويين كلاماً .
والآن نكمل ما قاله المصنف :
قال المصنف رحمه الله : وأَقْسَامُهُ ثَلاَثَةٌ : اسْمٌ ، وَفِعْلٌ ، وَحَرْفٌ جَاءَ لِمَعْنًى .
أيها الأخوة : نتيجة لاستقراء ألفاظ اللغة العربية وجد أنها تتكون من اسم أو فعل أو حرف ، ولا تخلو كلمة من هذه الأوصاف .
أما الاسمُ في اللغة فهو : ما دلَّ على مُسَمَّى ، ولكن في اصطلاح النحويين : الاسم : كلمةٌ دَلَّتْ عَلَى معنًى في نفسها ، ولم تقترن بزمان ، مثل : محمد ، عليّ ، ورَجُل ، وَجَمل ، و نَهْر ، و تُفَّاحَة ، ولَيْمُونَةٌ ، وَعَصًا ،
فكل واحد من هذه الألفاظ يدل على معنى ، وليس الزمان داخلاً في معناه ، فيكون اسماً .
وأما ، الفعل ، فهو في اللغة : الْحَدَثُ ، وفي اصطلاح النحويين : كلمة دلَّتْ على معنى في نفسها ، واقترنت بأحد الأزمنة الثلاثة ـ التي هي الماضي ، والحال ، والمستقبل ـ مثل " كَتَبَ " فإنها كلمةٌ دالةٌ على معنى وهو الكتابة ، وهذا المعنى مقترن بالزمان الماضي ، و مثل " يَكْتُبُ " فإنه دال على معنى ـ وهو الكتابة ـ وهذا المعنى مقترن بالزمان الحاضر ، ومثل " اكْتُبْ " فإنه كلمة دالة على معنى ـ وهو الكتابة ـ وهذا المعنى مقترن بالزمان المستقبل الذي بعد زمان التكلم .
ومثل هذه الألفاظ : نَصَرَ وَ يَنْصُرُ وَانْصُرْ ،وَ فَهِمَ وَيَفْهَمُ وَ افْهَمْ ، وَعَلِمَ وَيَعْلَمُ وَاعْلَمْ ،وَ جَلَسَ وَ َيْجِلسُ وَاجْلِسْ ،وَ ضَرَبَ وََيَضِْربُ وَاضْرِبْ .
والفعل أيها الأخوة على ثلاثة أنواع : ماضٍ و مُضَارِع وأَمْر :
فالماضي ما دَلّ على حَدَثٍ وَقَعَ في الزَّمَانِ الذي قبل زمان التكلُّم .
مثل : كَتَبَ ، فَهِمَ ، خَرَجَ ، سَمِعَ ، أَبْصَرَ ، تَكَلَّمَ ، اسْتَغْفَرَ ، اشْتَرَكَ .
ويعرف الفعل الماضي بتاء التأنيث الساكنة ، مثل : قامت وقعدت .
ولا بد من التنبيهِ على أمر وهو : أن الفعلَ الماضي: قد يؤتى به للمستقبل إذا دلت على ذلك القرائن , لكن هذا خلاف الأصل ، فإن دلت القرينة على أنه مستقبلي كان مستقبلاً مثل: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ ﴾ [الزمر : 68] الصور لم ينفخ فيه بعد ولم تقم الساعة ولكنه عبر بفعل الماضي لعلة بلاغية , فإذن هناك قرينة وهي أنه لم تقم قرينة الحال أن الأمر لم يقع بعد ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْ﴾[الزمر: 73]، لكن معرفتنا أن الأمر لم يحصل دليل على أنه مستقبلي فما دامت قرينة الحال وحال السامع يتبين منها أن الأمر لا يزال مستقبلياً دليل على أنه مستقبل ، وهذا لا يخرج دلالة الفعل الماضي عند إطلاقه أو في أصله عن المضي .
والمضارع : مَا دَلَّ عَلَى حدثٍ يقع في زمان التكلُّم أو بعده .
مثل : يَكْتُبُ ، يَفْهَمُ ، يَخْرُجُ ، يَسْمَعُ ، يَنْصُرُ ، يَتَكلمُ ، يَسٍتَغْفِرُ ، يَشْتَرِكُ .
فالمضارع دلالته في الأصل على الحاضر أو المستقبل ، لكنه قد يتمحض ويَخلُص لأحدهما بدليل ، فأنت مثلاً إذا قلت: أنا أكتب في أثناء كتابتك. فقد تمحض للحال ، وإذا قلتَ: سأكتب ، جئت بحرف يدل على المستقبل وهو السين أو سوف فإنك قد جعلته متمحضاً للاستقبال , فهو يتمحض لأحدهما ، أعني : الحاضر أو الاستقبال إذا وجد دليل ، فإن لم يوجد الدليل فهو يقبلهما معاً.
ويُعرف المضارع بدخول لم عليه نحو لم يقمْن ، ولابد في أوله من إحدى الزوائد الأربع وهي : الهمزة والنون والياء والتاء ، يجمعها قولك :نأيت ؛ ويُضم أولُه إذا كان ماضيه على أربعة أحرف .
مثل : دحرج يُدحرج ، أكرم يُكرم وفرّح ُيفرِّح ، وقاتل يُقاتل .
ويفتح في ما سوى ذلك ، مثل : نصر يَنصر ، وانطلق ينطلق ، واستخرج يستخرج .
ولا بد من التنبيه على أمر وهو أن الفعل المضارع : الأصل فيه أن يكون دالاً على الحاضر أو على المستقبل وإذا جاء مجرداً فهو يقبل واحداً منهما الحاضر أو المستقبل ، ويتمحض- كما قلت- إلى أحدهما بدليل , لكنه إذا وجدت قرينة تصرفه عن الحاضر والمستقبل دل على الماضي ، عندما تدخل «لم» فإن «لم» هذه تقلب زمن المضارع إلى الماضي . مثل : لم يأكل الطفل . فهنا معناه في الماضي .
وأما فعل الأمر : فهو ما دَلَّ على حَدَثٍ يُطْلَبُ حُصوله بعد زمان التكلُّم .
مثل : اكْتُبْ ، افْهَمْ ، اخْرُجْ ، اسْمَعْ ، انْصُرْ ، تَكَلَّمْ ، اسْتَغْفِرْ ، اشْتَرِكْ .
ويعرف فعل الأمر بدلالته على الطلب وقبولِه ياء المخاطبة المؤنثة نحو : قومي واضربي .
وأما الحرف : فهو في اللغة الطرَفُ ، وفي اصطلاح النُّحَاة : كلمة دَلَّتْ على مَعْنًى في غيرها ، نحو " مِنْ " ، فإنَّ هذا اللفظ كلمة دلَّتْ على معنى ـ وهو الابتداءُ ـ وهذا المعنى لا يتمُّ حتَّى تَضمَّ إلى هذه الكلمة غيرَهَا ، فتقول : " ذَهَبْتُ مِنَ الْبَيْت " مثلا ً.
أما معنى قوله (حرف جاء لمعنى) ، المصنف هنا ينبه إلى مسألة : المعروف عند الناس أن الحروف هي الحروف الهجائية ألف، باء، تاء.. إلى آخره, الثمانية والعشرون المعروفة وليست هذه هي الحروف المقصودة في اصطلاح النحويين هنا ، وإنما مقصدهم بالحروف ، حروف جاءت لمعاني كحروف الجر وحروف الاستفهام والحروف الناصبة والحروف الجازمة هذه هي المقصودة بالحروف عند النحويين ، وهي قد تُكَوَّن من حرف واحد أو من حرفين أو ثلاثة أحرف أو أكثر وليس المقصود بها هذا الحرف المفرد من الحروف الهجائية وهذا هو معنى احتراز المصنف بقوله: (حرف جاء لمعنى) حتى لا تفهم أن الكلمة هي ألف باء تاء ثاء .
علامات الاسم
قال المصنف رحمه الله : فالاسم يُعْرَفُ : بالْخَفْض ، وَالتَّنْوِينِ ، وَدخولِ الألِفِ وَالَّلامِ ، وَحُرُوف الْخَفْضِ ، وَهيَ : مِنْ ، وَإلى ، وَعَنْ ، وَعَلَى ، وَفي ، وَرُبَّ ، والْبَاءُ ، والْكافُ ، وَالَّلامُ ، وحُرُوفُ القَسَمِ ، وهِيَ : الْوَاوُ ، والْبَاءُ ، والتَّاءُ .
للاسم علامات يتميَّز بها عن الفِعْلِ والْحَرْفِ بوجود واحدةٍ منها أو قَبُولِها ، وقد ذكر المصنف رحمه الله ! ـ من هذه العلامات أرْبَعَ علاماتٍ ، وهي الْخَفْضُ ، والتَّنْوِينُ ودخولُ الأَّلف والَّلام ، ودُخول حرفٍ من حروف الخفض .
الخفض فهو في اللغة : ضد الارتفاع ، وفي اصطلاح النحاة عبارة عن الكسرة التي يُحْدِثُهَا الْعامل أوْ ما ناب عنها .
مثل كسرة الراءِ من " بكرٍ " في نحو قولك : " مَرَرْتُ بِبَكْرٍ " فبكْرٍ اسم لوجود الكسرة في آخره .
وأما التنوين ، فهو في اللغة التَّصْويت ، تقول " نَوَّنَ الطَّائِرُ " أي : صَوَّتَ ، وفي اصطلاح النُّحَاة هو : نُونٌ ساكنةٌ تّتْبَعُ آخِرَ الاسم لفظاً وتفارقهُ خَطاً للاستغناء عنها بتكرار الشَّكلة عند الضبْطِ بالقلم ، نحو : محمدٍ ، وكتابٍ ، وصَهٍ ، ومُسْلِمَاتٍ ، وفَاطِمَاتٍ ،و حِينَئِذٍ ، وَسَاعَتَئِذٍ ، فهذه الكلمات كلها أسماء ٌ، بدليل وجود التنوين في آخرِ كلِّ كلمة منها .
العلامة الثالثة من علامات الاسم : دخول " أَلْ " في أول الكلمة ، نحو " الرجل ، والغلام ، والفرس ،و الكتاب ، والبيت ، والمدرسة " فهذه الكلمات ، كلها أسماء لدخول الألف واللام في أوَّلها .
العلامة الرابعة للأسماء : دخول حرفٍ من حروف الخفض ، مثل " ذهبتُ من البيت إلى المدرسَةِ " فكل من " البيت " و " المدرسة " اسم ، لدخول حرف الخفض عليهما ، ولوجود " أَلْ " في أَوَّلهما .
وحروف الخفض هي : "من " ولها معانٍ : منها الابتداءُ ، نحو" سَافْرتُ مِنَ الْقَاهِرَةِ " و "إلى " من معانيها الانتهاء ، نحو " سَافَرْتُ إلى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ " و " عَنْ " ومن معانيها المجاوزةُ ، نحو " رَمَيْتُ السَّهْمَ عَنِ الْقَوْسِ" و" على"و من معانيها الاستعلاءُ ، نحو " صَعِدْتُ عَلَى الْجَبَلْ " و " فِي " ومن معانيها الظرفية نحو " الْمَاءُ في الْكُوز " و " رُب َّ" ومن معانيها التقليل ، ونحْو " رُبَّ رَجُلٍ كرِيمٍ قَابَلَنِي " و الْبَاءُ ومن معانيها التعدية ، ونحو " مَرَرْتُ بالْوَادِي " و " الكافُ " و من معانيها التشبيه ، نحو " لَيْلي كالْبَدْرِ" و " اللام " ومن معانيها الْمُلْكِ نحْو" المالُ لمحمد " ، والاختصاصُ ، نحو " البابُ للدَّار ، والْحَصيرُ لِلْمَسْجِدِ " والاستحقاقُ نحو " الْحَمْدُ لله "
ولا بد لتذكير هنا من قول : ضابط لام الملك : أن تقع بين ذاتين و تدخل على من يتصور منه الملك ، وضابط لام الاختصاص : أن تقع بين ذاتين و تدخل على مالا يتصور منه الملك كالمسجد والدار ، ولام الاستحقاق : هي التي تقع بين اسم ذات كلفظ الجلالة و اسم معنى مثل : الحمد .
ومن حروف الخفض : حُرُوف الْقَسَمِ ، وهي ثلاثة أحرف .
الأول : الواو ، وهي لا تَدْخُلُ إلا عَلَى الاسم الظاهِرِ ، ونحو " والله " ونحو < وَالْطُّورِ وَكتابٍ مَسْطُور> ونحو < وَالتِّينِ وَالزيْتُونِ وَطُورِ سِينين >
والثاني : الباءُ ، ولا تختص بلفظ دون لفظ ، بل تدخل على الاسم الظاهر وغيره ، نحو " بالله لأَجْتَهِدَنَّ " فهنا دخلت على الاسم الظاهر ، وتدخل أيضاً على الضمير ، نحو " بكَ لأضْرِبَنَّ الكَسُولَ" .
وحرف القسم الثالث : التاء ُ، ولا تدخل إلا على لفظ الجلالة نحو <و تالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ >
يعني أن الاسم يتميز أيضًا [ عن الفعل والحرف ] بدخول حروف القسم عليه نحو : والله وبالله وتالله
ويعرب هكذا :
(( والله )) : الواو حرف قسم وجر والاسم الكريم مقسم به مجرور ، وعلامة جره كسر الهاء تأدبًا .
(( وبالله )) : الواو عاطفة ، بالله جار ومجرور الباء حرف قسم وجر ، والاسم الكريم مقسم به مجرور ، وعلامة جره كسر الهاء تأدبًا .
(( وتالله )) : الواو عاطفة ، تالله جار ومجرور ، [و] التاء حرف قسم وجر والاسم الكريم مقسم به مجرور ، وعلامة جره كسر الهاء تأدبًا .
والآن لننتقل لعلامات الفعل :
قال المصنف رحمه الله : والفِعْل يُعْرَفُ بِقَدْ ، وَالسينِ و" سَوْفَ " وَتَاءِ التأْنيثِ السَّاكِنة .
- يَتَميز الفعْلُ عن الاسمِ وَالْحرفِ بأَرْبعِ علاماتٍ ، متى وَجَدْت فيه واحدةً منها ، أو رأيتَ أنه يقبلها عَرَفْتَ أَنَّه فعلٌ :
الأولى : قد والثانية " السين " والثالثة : " سوف " والرابعة تاءُ التأْنيث الساكنة .
أما " قد " : فتدخل على نوعين من الفعل ، وهما : الماضي ، والمضارع .
فإذا دخلت على الفعل الماضي دلَّتْ على أحدِ مَعْنَيَيْن ـ وهما التحقيق والتقريب ـ فمثالُ دلالتها على التحقيق قولُه تعالي: < قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ > وقولُه جل شأْنه: < لَقَدٍ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ > وقولنا : " قَدْ حَضََر مُحَمَّدٌ " وقولنا : " قد سافَرَ خَالِدٌ " هنا معناها محقق أن المؤمنين سوف يفلحوا ، ومحقق أن محمد قد حضر ، هذا معنى التحقيق .
ومثالُ دلالتها على التقريب قولُ مُقيم الصلاة : " قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ " يعني قد قرب وقت إقامة الصلاة .
و قولك : " قَدْ غَرَبَت الشَّمْسِ". إذا كنت قد قلت ذلك قبل الغروب فمعناه التقريب يعني : قد قرب وقت غروب الشمس ، أما إذا قلت ذلك بعد دخول الليل فهو من النوع السابق الذي تدل على التحقيق .
وكذلك إذا دخلتْ قد على الفعل المضارع دلَّتْ على أحدِ مَعْنَيَيْن أيضاً ـ وهما التقليل ، والتكثير ـ فأما دلالتها على التقليل ، مثل : " قَدْ يَصْدُقُ الكَذُوبُ " و قولك : " قَدْ يَجُودُ الْبَخِيلُ " و قولك : " قَدْ يَنْجَحُ الْبَلِيدُ . وأما دلالتها على التكثير ؛ فنحو قولك : " قَدْ يَنَالُ الْمُجْتَهِدُ بُغْيَتَه " وقولك : " قَدْ يَفْعَلُ التَّقِىُّ الْخيْرَ "
وأما السين وسوف : فيدخلان على الفعل المضارع وَحْدَهُ ، وهما يدلان على التنفيس ، ومعناه الاستقبال ، إلاّ أنّ " السين " أقَلُّ استقبالاً من " سوف" . فأما السين مثل قوله تعالى : < سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النِّاسِ > ، < سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ > وأما " سوف " فنحو قوله تعالى : < وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي > ، < سَوْفَ نُصْلِيهمْ نارًا > ، < سَوْفَ يَؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ >.
وأما تاءُ التأْنيث الساكنة : فتدخل على الفعل الماضي دون غيره ؛ والغرض منها الدلالة على أنَّ الاسْمَ الذي أُسند هذا الفعلُ إليه مؤنَّثٌّ ؛ سواءٌ أَكان فاعلاً ، نحو " قَالَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤمِنِينَ " أم كان نائبَ فاعل ، نحو " فُرِشَتْ دَارْنَا بِالْبُسُطِ " .
والمراد أنها ساكنة يعني في أصل وَضْعها ؛ فلا يضر تحريكها لعارض التخلص من التقاء الساكنين في نحو قوله تعالي : < وقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ > ،< إذْ قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ > ، < قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ > .
ومما تقدم يتبين لك أن علامات الفعل التي ذكرها المؤلف على ثلاثة أقسام : قسم يختص بالدخول على الماضي ، وهو تاءُ التأنيث الساكنة ، و قسم يختص بالدخول على المضارع ، وهو السين وسوف ، وقسم يشترك بينهما، وهو قَدْ .
وقد تركَ علامة الفعل الأمر ، وهي دلالته على الطلبِ مع قبول ياءَ المخاطبة أو نون التوكيد ، نحو " قُمْ " و "اقْعُدْ" و " اكْتُبْ " و " انْظُرْ" فإن هذه الكلمات الأرْبَعَ دَالةٌ على طلب حصول القيام والقعود والكتابة والنظر ، مع قبولها ياء المخاطبة في نحو : " قُومِي ، واقْعُدِي " أو مع قبولها نون التوكيد في نحو " اكُتُبَنَّ ، وانْظُرَنَّ إلى مَا يَنْفَعُكَ "
نكمل قول المصنف :
قال المصنف رحمه الله : و الْحَرْفُ مَالاَ يَِِصْلُحُ مَعَهُ دَلِيلُ الاِسْمِ وَلاَ دَلِيلُ الْفِعْل .
- يتميّز الحرف عن الاسمِ والفعل بأنه لا يصح دخول علامة من علامات الأسماءِ المتقدمة ولا غيرها عليه ، كما لا يصح دخولُ علامة من علامات الأفعال التي سبق بيانُها ولا غيرها عليه ، و مثلُه " مِنْ " و " هَلْ" و" لمْ " هذه الكلمات الثلاثة حروفٌ ، لأنها لا تقبل "أَلْ" و لا التنوين ، ولا يجوز دخول حروف الخفض عليها ، فلا يصح أن تقول : المِنْ ، ولا أن تقول : منٌ ، ولا أن تقول : إلى مِنْ ، وكذلك بقية الحروف ، وأيضاً لا يصح أن تدخل عليها السينُ ، ولا " سوف " ولا تاءُ التأْنيثِ الساكِنةُ ، ولا "قَدْ" ولا غيرها مما هو علاماتٌ على أن الكلمة فِعلٌ .[/24
]