[b]الدرس الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشـهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
نكمل بعون الله ما بدأنا به من دروس الآجورومية في النحو
قال المصنف رحمه الله : "( بَابُ اَلْإِعْرَابِ ) الإعْرَابُ هُوَ : تَغْييرُ أَوَاخِرِ الْكلِمِ لاِخْتِلاَف ِ الْعَوَامِلِ الْداخِلَة عَلَيهَا لَفْظاً أَوْ تَقْدِيراً."
الباب ، في اللغة معروف ، وفي الاصطلاح : اسم لجملة من العلم مشتملة على فصول ومسائلٍ غالبًا .
" باب الإعراب " الإِعراب له مَعْنَيَانِ : أحدهما لُغويٌّ ، و الآخر اصطلاحيٌّ .
الإعراب في اللغة : هو الإِظهار والإِبانة ، تقول : أَعْرَبْتُ عَمَّا فِي نَفْسِي ، إذا أَبَنْتَهُ وأَظْهَرْتَهُ.
أما المعنى الاصطلاحي للإعراب فهو ما ذكره المؤلف رحمه الله بقوله : " تَغْيِيرُ أوَاخِرِ الكَلِم _ إلخ "
أي تغيير حركات أواخر الكلم وليس تغيير الحرف الأخير ، تغيير حركته . يعني : تحوٌّلها من الرفع إلى النصب أو الجر : حقيقة ، أو حُكماً . أما تغيير الحرف الأول والأوسط فهذا مكانه علم الصرف . ويكون سبب تغيير حركة أواخر الكلمة هو ما دخل عليها من عامل . مثال : إذا قلت : " كتبَ الولدُ " فالولدُ : مرفوع ؛ لأنه معمول لعامل يقتضي الرفع على الفاعلية ، العامل هنا الفعل كتب ، فإن قلت : " زرتُ الولدَ " تغير حال آخر " الولد " من الرفع إلى النصب ؛ لتغير العامل بعامل آخر يقتضي النصبَ وهو " زرتُ " ، فإذا قلت " ذهبت إلى الولدِ " تغير حالُ آخره إلى الجر ؛ لتغير العامل بعامل آخر يقتضي الجر وهو إلى .
وكما في الإسم يحدث التغيير في الفعلِ المضارع أيضاً ، فلو قلت : " يُسَافِرُ إبراهيمُ " فيسافر: فعل مضارع مرفوع ؛ لتجرده من عامل يقتضي نصبه أو عامل يقتضي جزمه ، فإذا قلت : " لَنْ يُسَافِرَ إبراهيمُ " تغير حال " يسافر " من الرفع إلى النصب ، لتغير العامل بعامل آخر يقتضي نصبه ، وهو " لَنْ " ، فإذا قلت : " لَمْ يُسَافِرْ إبراهيمُ " تَغَيَّرَ حالُ " يسافر " من الرفع أو النصب إلى الجزم ، لتغير العامل بعامل آخر يقتضي جزمه ، وهو "لم" .
قوله : (لاِخْتِلاَف ِ الْعَوَامِلِ الْداخِلَة عَلَيهَا ) (عَلَيهَا) أي: على الكلِم، فبعضُ العوامل يقتضي الرفعَ على الفاعليّة، وبعض العوامل يقتضي النصبَ على المفعوليّة، فباختلاف العوامل تتغيّرُ أحوالُ آخرِ الكلمة، كقولهم: (حيثُ)، و(حيثَ)، و(حيثِ).
قوله رحمه الله " لَفْظاً أَوْ تَقْدِيراً."
التغير هذا ينقسِمُ إلى قسمين : لَفْظِي ، وتقديري .
فأما اللفظي فهو : مالا يمنع من النطق به مانع ، كما رأيت في حركات الدال من " الولد " وحركات الراء من " يسافر " .
وأما التقديري : فهو ما يمنع من التلفظ به مانع ، من تَعَذُّر ، أو استِثقال ، أو مناسَبَة ؛ تقول : " يَدْعُو الفتى والْقَاضِي وغلاَمِي " فيدعو : مرفوع لتجرده من الناصب والجازم ، والفتى : مرفوع لكونه فاعلاً ، والقاضي وغلامي : مرفوعان لأنهما معطوفان على الفاعل المرفوع ، ولكن الضمةَ لا تظهر في أواخر هذه الكلمات ،لماذا ؟ لتعذرها في " الفتى " وثقلها في " يَدْعُو" وفي "الْقَاضِي " ولأجل مناسبة ياء المتكلم في " غُلاَمِي " ؛ فتكون الضمة مقدّرة على آخر الكلمة منع من ظهورها ، التعذر ، أو الثقل ، أو اشتغالُ المحل بحركة المناسبة .
وتقول : " لَنْ يَرْضَى الْفَتى وَ الْقَاضِي وَ غُلاَمِي " وتقول : " إنَّ الْفَتَى وَ غُلاَمِي لَفَائِزَانِ " وتقول : " مَرَرْتُ بِالْفَتَى وغُلاَمِي و الْقَاضِِِي " .
فما كان آخره ألفاً لازمة تُقََدَّر عليه جميعُ الحركات للتعذر ، ويسمى الاسمُ المنتهي بالألف مقصوراً ، مثل الفتى ، والعَصا ، والرِّضَا .
وما كان آخره ياء لازمَة تُقَدَّر عليه الضمة والكسرة للثقل ، ويسمى الاسمُ المنتهي بالياءِ منقوصاً ، وتظهر عليه الفتحة لخفتها ، مثل : القَاضِي ، والدَّاعِي ، والْغَازِي ، والسَّاعِي ، والرّاَمِي .
وما كان مضافاً إلى ياء المتكلم تُقَدَّر عليه الحركاتُ كلُّها للمناسبةِ ، نحو : غلامِي ، وكِتابي ، وصَديِقِي ، وأبِي ، وأُستاذي .
ويقابل الإعرابَ البناء ، وقد ترك المؤلفُ بيان البناء ، وسأبينه لكم على الطريقة التي بيَّنت بها الإعراب ، فأقول بعون الله :
للبناء معنيان : أحدهما لغويّ ، والآخر اصطلاحيّ :
المعنى اللغوي للبناء : هو عبارة عن وَضْع شيءٍ على شيءٍ على جهَة يُرَادُ بها الثبوتُ و اللزومُ
وأما معناه الاصطلاحي : فهو لُزُومُ آخر الكلمة حالةً واحدةً لغير عامل ولا اعتلال ، وذلك كلزوم " كَمْ " و " مِنْ " السكون ، و كلزوم " هؤلاءِ " الكَسْرَ ، وكلزوم " مُنْذُ " و" حَيْثُ " الضمَّ ، وكلزوم " أيْنَ " و " كَيْفَ " الفتحَ .
ومن هذا الإيضاح تعلم أن ألقاب البناءِ أربعة : السكون ، والكسر ، والضم ، والفتح .
قال المصنف رحمه الله : وأقسامه أربعة : رَفْعٌ ، وَ نَصْبٌ ، وَ خَفْضٌ، وَ جَزْمٌ ، فللأسمَاءِ مِنْ ذَلِكَ الرَّفعُ ، والنَّصْبُ ، و الخَفْضُ ،ولا جَزمَ فيها ، وللأفعال مِنْ ذَلِكَ الرَّفْعُ ، والنَّصبُ ، والجَزْمُ ، ولاَ خَفْض َ فيها .
( أقسامه ) أي: أقسامُ الإعرابِ أربعةٌ. رَفْعٌ ، وَ نَصْبٌ ، وَ خَفْضٌ، وَ جَزْمٌ
ولكلِّ واحد من الرفعِ والنصبِ والخفضِ والجزْمِ علاماتٌ، سيذكرُها المصنف.
أنواع الإِعراب التي تقع في الاسم و الفعل جميعاً أربعة : الأوَّل : الرفع ، و الثاني : النصب ، والثالث : الخفض ، والرابع : الجزم ، ولكل واحد من هذه الأنواع الأربعة معنى في اللغة، ومعنى في اصطلاح النحاة.
أما الرفع فهو في اللغة : العُلُوُّ والارتفاعُ ، وفي الاصطلاح : تغيرٌ مخصوصٌ علامَتُهُ الضمة وما ناب عنها .
ويقع الرفع في الاسم والفعل ، مثل : " يَقُومُ عَليُّ " و " ويأكلُ الطفلُ " .
وأما النصبُ فهو اللغة : الاسْتِواءُ والاسْتِقَامَة .
وهو في الاصطلاح : تغيرٌ مخصوصٌ علامته الفَتْحَة وما ناب عنها ، ويقع النَّصْبُ في كلٍ من الاسم والفعل أيضاً ، مثل : " لَنْ أُحِبَّ الكَسَلَ " .
وأما الخفض فهو في اللغة : التَسَفُّلُ .
وهو في الاصطلاح : تغيُّرٌ مخصوصٌ علامتٌةُ الكَسْرَة وما نابَ عنها ، ولا يكون الخفض إلا في الاسم ، مثل : " ذهبتُ إلى المدرسة ِ "
و أما الجزم فهو في اللغة : القَطْعُ .
وفي الاصطلاح تغيرٌ مخصُوصٌ علامتُهُ الَسُّكونُ وما نابَ عنها ، ولا يكون الجَزْمُ إلا في الفعل المضارع ، مثل " لَمْ يَفُزْ مُتَكَاسِلٌ " .
إذا فأنواع الإعراب على ثلاثة أقسام : قسم مشترك بين الأسماء والأفعال ، وهو الرفع والنصب ، وقسمٌ مختصٌّ بالأسماء ، وهو الخفض ، وقسم مختص بالأفعال ، وهو الجزْم .
المقصود هنا بالأفعال الفعل المضارع الذي لم تتصل به نون التوكيد ولا نون النسوة لأن الأفعال الماضية والأمر كلها مبنية وكذلك الأحرف .
والآن نضرب بعض الأمثلة للتوضيح أكثر :
مثال علامات الأعراب في الأسماء : جاء زيدٌ ، ورأيت زيدًا ، ومررتُ بزيدٍ .
- جاءَ زيدٌ . جاء : فعل ماضي مبني على الفتح . زيد : فاعل ، وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره .
رأيتُ زيدًا : رأيت فعل وفاعل ، حد الفعل رأى ، والتاء : ضمير متصل مبني على الضم ، في محل رفع فاعل . زيدًا : مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره .
-مررتُ بزيدٍ : مررتُ فعل وفاعل ، حد الفعل مرّ . والتاء : ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل . بزيد : جار ومجرور ، الباء حرف جر ، زيد مجرور بالباء ، وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره
ومثال علامات الأعراب في الأفعال : يقومُ زيدٌ ، ولنْ يقومَ زيدٌ ، ولم يقمْ زيدٌ .
((يقومُ زيدٌ)) : يقوم فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم ، وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره . زيد ، فاعل ، والفاعل مرفوع ، وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره .
( لنْ يقومَ زيدٌ ) ( لنْ ) حرف نفي ونصب واستقبال ، (( يقومَ )) فعل مضارع منصوب بلن ، وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره ، (( زيدٌ )) فاعل ، والفاعل مرفوع ، وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره .
(( لَمْ يَقُمْ زيدٌ )) لم حرف نفي وجزم وقلب ، (( يقمْ )) فعل مضارع مجزوم بلم ، وعلامة جزمه السكون ، (( زيدٌ )) فاعل ، والفاعل مرفوع ، وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره .
قال المصنف رحمه الله " ( بَابُ مَعْرِفَةِ عَلَامَاتِ اَلْإِعْرَابِ ) لِلرَّفْعِ أَرْبَعُ عَلَامَاتٍ: :الضَّمَّة ُ ، والوَاوُ ، وَالألِفُ ، وَالنُّونُ .
قوله : ( بَابُ مَعْرِفَةِ عَلَامَاتِ اَلْإِعْرَابِ ) يعني سأتكلم هنا عن علامات الأعراب وهي : الرفعُ ، والنصبُ، والخفضُ ، والجزمُ ، وبهذه العلامات تستطيعُ أن تعرفَ أنّ الكلمةَ مرفوعةٌ، أو منصوبةٌ، أو مخفوضةٌ، أو مجزومةٌ.
قدّم المصنف الضمّةَ لأنها الأصل ، وثنّى بالواو لأنّها بنتُها، لكونها تتولّد منها عند إشباعها، وثلّثَ بالألفِ لأنّها أختُ الواو في العلةِ والمدّ واللين، ولكلّ منها مواضعُ تختصّ بها.
قال المصنف رحمه الله : فَأمَّا الضَّمَّةُ فَتَكُون عَلاَمَةً للرَّفْعِ في أرْبَعَةِ مَوَاضِيعَ : الاِسمِ المُفْرَدِ ، وجَمْعِ التَّكْسِيرِ ، وَجَمْعِ الْمُؤَنثِ السَّالِمِ ، والْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الذي لَمْ يَتَّصلْ بآخره شَيْءٌ .
تكون الضمة علامَةً على رَفْعِ الكلمة في أربع مواضع : الموضع الأول : الاسم المفرد ، والموضع الثاني : جمع التكسير ، والموضع الثالث : جمع المؤنث السالم ، والموضع الرابع : الفعل المضارع الذي لم يَتَّصِلْ به ألف اثنين ، ولا واو جماعة ، ولا ياء مخاطبة ، ولا نون توكيد خفيفةٌ أو ثقيلةٌ ،ولا نُونِ نِسْوَة .
أما الاِسم المفرد فالمراد به ههنا : ما ليس مُثَنَّى ولا مجموعاً ولا ملحقاً بهما ولا من الأسماء الخمسة : سواءٌ أَكان المراد به مذكراً مثل : محمد ، وعلي ، وحمزة ، أم كان المراد به مؤنثاً مثل : فاطمة ، وعائشة ، وزينب ، وسواءٌ أكانت الضمة ظاهرة مثل "حَضَرَ مُحَمَّدٌ " و "سّافَرَتْ فَاطِمَةُ " ، أم كانت مُقَدَّرَةً مثل " حَضَرَ الْفَتَى و الْقَاضِي وَأَخِي " ومثل " تَزَوَّجَتْ لَيْلَى " فإن " محمد " وكذا " فاطمة " مرفوعان ، و علامة رفعهما الضمة الظاهرة ، و"الفتى" ومثله "ليلى " مرفوعات ، وعلامَةُ رَفعهِنَّ ضمة مُقَدَّرَةٌ على الألف منع من ظهورها التعذر، و" الْقَاضِي" مرفوع ، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل ، و" أَخِي " مرفوع ، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياءِ المتكلم منع من ظهورها حركةُ المنَاسَبَةِ .
أما جمع التكسير فالمراد به : ما دَلَّ على أكثر من اثنين مع تَغَيُّرٍ في صيغة مفردهِ .
وأنواع التغير الموجودة في جموع التكسير ستة :
1ـ تَغََيُّرٌ بالشكل لَيْسَ غَيْرُ ، نحو : أَسَدٌ وأُسْدٌ ، وَنَمِرٌ ونمُرٌ ؛ فإن حروف المفرد والجمع في هذين المثالين مُتَّحِدَة ، والاِخْتلاَف بين المفرد والجمع إنما هو في شكلها.
2ـ تَغَيُّرٌ بالنقص لَيْسَ غَيْرُ ، نحو : تُهمَة وتُهَمٌ ، وتُخمَة و تُخَمٌ ، فأنت تجد الجمع قد نقص حرفاً في هذين المثالين ـ وهو التاء ـ وباقي الحروف على حالها في المفرد.
3ـ تغير بالزيادة ليس غير ، نحو : صِنْوٌ و صِنْوَان ، في مثل قوله تعالي : < صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ >
4ـ تغير في الشكل مع النقص ، نحو : سَرِير و سُرُر ، وكتَاب و كُتُب ،وأحْمَر و حُمْر، و أبْيَض وبيض .
5ـ تغير في الشكل مع الزيادة ، نحو : سَبَب وَأسْبَاب ، وَبَطل وأبطال ، وَهِنْد وَهُنُود ، وَسَبُع وَسِبَاع ، وَذِئْب وَذِئَاب ، وشُجَاع و شُجْعَان .
6ـ تغير في الشكل مع الزيادة والنقص جميعاً ، نحو : كَرِيم و كُرَمَاء ، وَرَغِيف وَرُغْفَان ، و كاتِب وَ كُتَّاب ، وَأمِير و أُمَرَاء .
وهذه الأنواع كلها تكون مرفوعة بالضمة ، سواءٌ أكان المراد من لفظ الجمع مذكراً ، مثل : رِجَال ، وكُتاب ، أم كان المراد منه مؤنثاً ،مثل : هُنُود ، وَزَيَانِب ، وسواءٌ أكانت الضمة ظاهرة كما في هذه الأمثلة ، أم كانت مقدرة كما في نحو : " سكَارَى ، وَجَرْحَى " ، ونحو : " عَذَارَى ، وَحَبَالى " تقول : " قامَ الرِّجالُ و الزَّيَانِبُ " فتجدهما مرفوعين بالضمة الظاهرة ، وتقول : " حَضَرَ الْجَرْحَى و العَذَارَى " فيكون كل من " الْجَرْحَى " و " العَذَارى " مرفوعاً بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر .
وأما جمع المؤنث السالم فهو : ما دلَّ عَلَى أكثر من اثنتين بزيادة ألفٍ وَ تاءِ في آخره ، مثل : " زَيْنَبَات ، فاطمات ، وحَمَّامات " تقول جَاءَ الزَّيْنَبَاتُ ، و سافر الفاطماتُ " فالزينبات والفاطمات مرفوعان ، وعلامة رفعهما الضمة الظاهرة ، ولا تكون الضمة مقدرة في جمع المؤنث السالم ، إلا عند إضافته لياء المتكلم مثل : " هَذِهِ شَجَرَاتِي وَبَقَرَاتِي " .
فإن كانت الألف غيرَ زائدةٍ : بأن كانت موجودةٌ في المفرد مثل " القاضي و القُضَاة ، والداعي و الدُّعَاةُ " لم يكن جمع مؤنث سالماً ، بل هو حينئذٍ جمعُ تكسيرٍ ، وكذلك لو كانت التاء ليست زائدة : بأن كانت موجودةٌ في المفرد مثل " ميت وأمْوَات ، وبَيْت وأبيات ، وصوت وأصْوَات " كان من جمع التكسير ، ولم يكن من جمع المؤنث السالم .
وأما الفعل المضارع مثل " يَضْرِبُ " و "يَكْتُبُ " فكل من هذين الفعلين مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة ، وكذلك " يدعو ، يَرْجُو " فكل منهما مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة عَلَى الواو منع من ظهورها الثقل ، وكذلك " يَقْضِى ، ويُرْضِى " فكلٌ منهما مرفوع ، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل ، وكذلك " يَرْضَى ، وَيَقْوَى " فكل منهما مرفوع ، وعلامة رفعه مقدرة عَلَى الألف منع من ظهورها التعذر .
قوله رحمه الله : " والْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الذي لَمْ يَتَّصلْ بآخره شَيْءٌ .." المراد بهذا الشيء الذي لم يَتَّصِلْ به ، ألف الاثنين ، واو الجماعة ، ياء المخاطبة ، نون توكيد خفيفةٌ أو ثقيلةٌ ، نُونِ النِسْوَة . فإذا اتصلت إحدى هذه الأشياء بالفعل المضارع لا يرفع حينئذ بالضمة ، بل يرفع بالألف أو الواو أو الياء أو بثبوت النون .
ما اتصل به ألف الاثنين مثاله " يَكْتُبَانِ ، ويَنْصُرَان " وما اتصل به واو الجماعة مثاله : " يَكْتُبونَ ، ويَنْصُرونَ " وما اتصل به ياءُ المخاطبة مثاله : تَكْتُبِينَ ، وتَنْصُرِينَ " ، وما اتصلت به نون توكيد خفيفةٌ أو ثقيلةٌ ، مثاله قوله تعالى : ( لَيَسْجَنَنَّ وَلَيكُونَاً مِن الصَّاغِرينَ ) والفعل حينئذٍ مبني على الفتح وما اتصلت به نون النسوة مثل قوله تعالى ( وَالْوَالِدَتُ يُرْضِعْنَ ) والفعلُ حينئذ مبنىٌّ على السكون .
قول المصنف رحمه الله : "وَأَمَّا الْوَاوُ فَتَكُونُ عَلامَةً لِلرَّفْعِ فِي مَوْضِعَيْنِ : فِي جَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ ، وَفِي الأَسْمَاءِ الخَمْسَةِ ، وَهِيَ أَبُوكَ ، وَأَخُوكَ ، وَحَمُوكَ ، وَفُوكَ ، وَذو مَالٍ "
جَمْعُ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ ، والأَسْمَاءُ الخَمْسَةُ ، وَهِيَ أَبُوكَ ، وَأَخُوكَ ، وَحَمُوكَ ، وَفُوكَ ، وَذو مَالٍ ترفع بالواو.
جمع المذكر السالم : هو الجمعُ الذي جُمِعَ مفردُهُ بواوٍ ونون، أو بياءٍ ونون، مثل (المؤمنون) جمع (مؤمن)، ومنه قول الله تعالى: ولمّا رأى المُؤْمنُونَ الأحْزَابَ فـ(المؤمنون) فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة لأنّه جمع مذكّر سالم.
الأسماء الخمسةِ : هي هذه الألفاظُ المحصورةُ التي عدّها المؤلّف رحمه الله. وهي : أبُوكَ ، وأخوكَ ، وحَمُوكَ ، وفُوكَ ، وذو مَالٍ ـ وهي تُرْفَعُ بالواو نيابة عن الضمة ، تقول: " حَضَرَ أبُوكَ ، وأخُوكَ ، وَحَمُوكَ ، ونَطَق فُوكَ ، وذُو مَالٍ " ، وكذا تقول : " هذا أبُوكَ " وتقول " أبُوكَ رَجُلٌ صَالِحٌ ، وقال الله تعالى { وَأَبُونََا شَيْخٌ كَبِيرٌ }، { مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ } ، { وإنه ُ لَذُو عِلْمٍ } ، { إني أنا أخُوكَ } فكلُّ اسمٍ منها في هذه الأمثلة مرفوع ٌ ، وعلامة رفعه الواوُ نيابةً عن الضمة ، وما بعدها من الضمير أو لفظ " مال " في ذو مال " أو لفظ "علم " في ذو علم مضافٌ إليه .
ويُشترَطُ لرفع هذه الأسماء الخمسة بالواو أربعةُ شروط :
1- أن تكون مفردةً (نكره) فإذا كانت مُثَنّاةً أُعربت إعرابَ المثنى ترفع بالألف وتنصب وتجر بالياء . مثال ذلك : أبَوَاكَ رَبَّيَاكَ " وقال الله تعالي : { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلى العَرْشِ } { فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ }وإذا كانت جمع مذكر سالم : رُفعت بالواو ، ونصبت وجرت بالياءِ ، تقول : " هؤلاَء أبُونَ وأخُونَ " ، وتقول : " رَأيتُ أَبِينَ وَأَخِينَ"
وإذا كانت جمع تكسير أُعربت بالحركات الظاهرة ، تقول : " الآباءُ يُرَبُّونَ أَبْنَاءَهُمْ " وقال الله تعالى :{ آباؤكم وأبْنَاؤُكم } ، { إنما الْمُؤمِنُونَ إخْوَةٌ } ، { فأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَاناً }
2- أن تكونَ مكبّرةً . يعني إذا كانت مُصَغَّرَةٌ ، فإنها حينئذ تعرب بالحركات الظاهرة ، تقول : " هذا أُبَيُّ وأُخَيُّ " ؛ وتقول : " مَرَرْتُ بِأُبَيٍّ وأُخَيٍّ " .
3- أن تكونَ مضافةً . فإن كانت منقطعة عن الإضافة فإنها حينئذٍ تُعرب بالحركات الظاهرة . تقول : " هذا أبٌ " وتقول : " رأيْتُ أباً " وتقول : " مَرَرْتُ بأبٍ " وقال الله تعالى : { ولَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ } ، { إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ }
4- أن تكونَ إضافتُها إلى غير ياء المتكلم . فإن أضيفت إلى ياء المتكلم ؛ فإنها حينئذٍ تُعرب بحركات مقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، منع من ظهورها اشتغالُ المحلِّ بحركة المناسبة ؛ تقول : " حَضَرَ أبِي وأخِي " وقال الله تعالى : { إنَّ هذَا أخِي } ، { أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي }.
أما " فُوكَ " إذا اتصلت بها الميم أُعربت بالحركات الظاهرة ، تقول : " هذَا فَمٌ حَسَنٌ " ، وتقول : " رأَيْتُ فَماً حَسَناً " ، وتقول :" نَظَرْتُ إلَى فَمٍ حَسَنٍ "
أكتفي بهذا القدر في هذا الدرس وأسأل الله العلي القدير بأسمائه الحسنى ، وصفاته العلا ، أن يجعلني وإياكم ممن يعمل لله، ويطلب العلم لله جل جلاله . وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين .
[/24
]